وعصينا يعني بدل أن يقولوا " سمعنا وأطعنا " يقولون " سمعنا وعصينا " وهذا يشبه تماما كلام من يقول مستهزء: " منك الأمر ومنا عدم السماع "، هذا والعبارات الأخرى في هذه الآية خير شاهد على هذا القول.
ثم يشير إلى قسم آخر من أحاديثهم العدائية المزيجة بروح التحدي والصلافة حيث يقول: إنهم يقولون: واسمع غير مسمع وبهذا الطريق يتوسل هذا الفريق للحفاظ على جماعة من المغفلين، - مضافا إلى سلاح تحريف الحقائق والخيانة في إبلاغ الكتب السماوية التي كانت تشكل الوسيلة الحقيقية لنجاة ذلك الفريق وشعبهم من مخالب الطغاة الظلمة مثل فرعون - يتوسلون بسلاح الاستهزاء والسخرية الذي هو سلاح الأنانيين والمغرورين ووسيلة العتاة والمعاندين، وربما استخدموا مضافا إلى كل ذلك عبارات كان المسلمون المخلصون يرددونها أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع تغييرات في معانيها تكميلا لاستهزائهم وسخريتهم، مثل جملة " راعنا " التي معناها " تفقدنا وأمهلنا " وكان المسلمون الصادقون في صدر الإسلام ومطلع الدعوة المحمدية يرددونها أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتمكنوا من سماع صوت النبي وكلامه بنحو أفضل، ولكن هذا الفريق من اليهود كانوا يتوسلون بهذه الجملة لإيذاء النبي ويسيئون استخدامها ويكررونها أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم يقصدون منها معناها العبري الذي هو " سمعنا غير مسمع " أو " أسمعنا لا سمعت " أو معناه العربي الآخر، وهو ما يرجع إلى الرعونة (1) الذي يعني الحمق، قصدا منهم إلى أن عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان - والعياذ بالله - خداع الناس واستغلال سذاجتهم.
وقد كان هذا كله بهدف إزاحة الحقائق عن محورها الأصلي بألسنتهم