الرادعة فطوعت ضميره الحي وكبلته بقيودها واعدته لتقل أخيه، وتدل عبارة " طوعت " مع قصرها على جميع المعاني التي ذكرناها لأن عملية التطويع كما نعلم لا تتم في لحظة واحدة، بل تحصل بشكل تدريجي وعبر صراعات مختلفة.
وتشير الآية - في آخرها - إلى نتيجة عمل " قابيل " فتقول فأصبح من الخاسرين فأين ضرر أكبر من أن يشتري الإنسان لنفسه عذابا سيلازمه إلى يوم القيامة، ويشمل عذاب الضمير وعقاب الله والعار والأبدي.
وقد حاول البعض الاستدلال من كلمة " أصبح " على أن جريمة القتل قد وقعت ليلا، في حين أن كلمة " أصبح " من حيث معناها اللغوي لا تنحصر في زمن معين ليلا مكان أم نهارا، بل تدل على حدوث شئ ما، كما جاء في الآية (103) من سورة آل عمران في قوله تعالى:... فأصبحتم بنعمته إخوانا....
وتفيد بعض الروايات المنقولة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن قابيل حين قتل أخاه ترك جثته في العراء حائرا لا يدري ما يفعل بها، فلم يمض وقت حتى حملت الوحوش المفترسة على جثة " هابيل " فاضطر " قابيل " (ربما نتيجة لضغط وجداني شديد) إلى حمل جثة أخيه مدة من الزمن لإنقاذها من فتك الوحوش، لكن الطيور الجارحة أحاطت به وهي تنتظر أن يضعها على الأرض للهجوم عليها ثانية وفي تلك الأثناء بعث الله غرابا (كما تصرح الآية) فأخذ يحفر الأرض ويزيح التراب ليدفن جسد غراب ميت آخر، أو ليخفي جزءا من طعامه - كما هي عادة الغربان - وليدل بذلك " قابيل " كيف يدفن جثة أخيه، حيث تقول الآية الكريمة، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه (1).