وبديهي أنه لا يمكن تصور التثنية في اللامتناهي، لأن فرض وجود لا متناهيين يجعل من هذين الاثنين متناهيين ومحدودين، لأن وجود الأول يفتقر إلى قدرة وقوة ووجود الثاني كما أن وجود الثاني يفتقر إلى وجود وخصائص الأول، وعلى هذا الأساس فإن كلا الوجودين محدودان.
وبعبارة أخرى: إننا لو افترضنا وجود لا متناهيين من جميع الجهات، فلابد حين يصل اللامتناهي الأول إلى تخوم اللامتناهي الثاني ينتهي إلى هذا الحد كما أن اللامتناهي الثاني حين يصل إلى حد اللامتناهي الأول ينتهي هو أيضا، وعلى هذا الأساس فإن كليهما يكونان محدودين ولا تنطبق صفة اللامتناهي على أي منهما، بل هما متناهيان محدودان، والنتيجة هي أن ذات الله - الذي هو وجود لا متناه - لا يمكن أن تقبل التعدد أبدا.
وهكذا فإننا لو اعتقدنا بأن الذات الإلهية تتكون من الأقانيم الثلاثة، لا يستلزم أن يكون كل من هذه الأقانيم محدودا، ولا تصح فيه صفة اللامحدود واللا متناهي، وكذلك فإن أي مركب في تكوينه يكون محتاجا إلى أجزائه التي تكونه، فوجود المركب يكون معلولا لوجود أجزائه.
وإذا افتراضنا التركيب في ذات الله لزم أن تكون هذه الذات محتاجة أو معلولة لعلة سابقة في حين إننا نعرف أن الله غير محتاج، وهو العلة الأولى لعالم الوجود، وعلة العلل كلها منذ الأزل وإلى الأبد.
4 - بالإضافة إلى كل ما ذكر، كيف يمكن للذات الإلهية أن تتجسد في هيكل إنساني لتصبح محتاجة إلى الجسم والمكان والغذاء واللباس وأمثالها؟
إن فرض الحدود لله الأزلي الأبدي، أو تجسيده في هيكل إنسان ووضعه جنينا في رحم أم، يعتبر من أقبح التهم التي تلصق بذات الله المقدسة المنزهة عن كل النقائص، كما أن افتراض وجود الابن لله - وهو يستلزم عوارض التجسيم المختلفة - إنما هو افتراض غير منطقي وبعيد عن العقل بعدا مطلقا.