وبعد أن تطرقت الآية إلى حكم الوفاء بالعهد والميثاق - سواء كان إلهيا أو إنسانيا محضا - أردفت ببيان مجموعة أخرى من الأحكام الإسلامية، كان الأول منها حلية لحوم بعض الحيوانات، فبينت أن المواشي وأجنتها تحل لحومهما على المسلمين، حيث تقول الآية: أحلت لكم بهيمة الأنعام وكلمة " الأنعام " صيغة جمع من " نعم " وتعني الإيل والبقر والأغنام (1).
أما كلمة " بهيمة " فهي مشتقة من المصدر " بهمة " على وزن " تهمة " وتعني في الأصل الحجر الصلب، ويقال لكل ما يعسر دركه " مبهما " وجميع الحيوانات التي لا تمتلك القدرة على النطق تسمى " بهيمة " لأن أصواتها تكون مبهمة للبشر، وقد جرت العادة على إطلاق كلمة " بهيمة " على المواشي من الحيوانات فقط، فأصبحت لا تشمل الحيوانات الوحشية والطيور.
ومن جانب آخر فإن جنين المواشي يطلق عليه اسم " بهيمة " لأنه يكون مبهما نوعا ما.
وعلى الأساس المذكور فإن حكم حلية بهيمة الأنعام يشمل إما جميع المواشي ما عدا التي استثنتها الآية فيما بعد، أو تكون الجملة بمعنى أجنة الحيوانات من ذوات اللحم الحلال (تلك الأجنة التي اكتمل نموها وهي في بطن أمها، وكسى جلدها بالشعر أو الصوف) (2).
ولما كان حكم حلية حيوانات كالإبل والبقر والأغنام قد تبين للناس قبل هذه الآية، لذلك من المحتمل أن تكون الآية - موضوع البحث - إشارة إلى حلية أجنة هذه الحيوانات.
والظاهر من الآية أنها تشمل معنى واسعا، أي تبين حلية هذه الحيوانات