على أدبارها.
ولعلنا لسنا بحاجة إلى أن نذكر بأن المراد من هذه العبارة هو تعطل عقولهم وحواسهم من حيث عدم رؤية حقائق الحياة وإدراكها، والانحراف عن الصراط المستقيم كما جاء في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) من أن المراد: " نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها في ضلالتها ذما لها بأنها لا تفلح أبدا " (1).
توضيح ذلك أن أهل الكتاب، وبخاصة اليهود منهم، عندما أعرضوا عن الإذعان بالحق رغم كل تلك العلائم والبراهين، وعاندوا تعنتا واستكبارا وأظهروا مواقفهم المعاندة في أكثر من ساحة، صار العناد والزور طبيعتهم الثانية شيئا فشيئا، وكأن أفكارهم قد مسخت وكأن عيونهم قد عميت وآذانهم قد صمت، ومثل هؤلاء من الطبيعي أن يتقهقروا في طريق الحياة بدل أن يتقدموا، وأن يرتدوا على الأدبار بدل أن يتحركوا إلى الأمام، وهذا هو جزاء كل من ينكر الحق عنادا وعتوا، وهذا في الحقيقة يشبه ما أشرنا إليه في مطلع سورة البقرة الآية (6).
وعلى هذا، فإن المراد من " الطمس وعفو الأثر والرد على العقب " في الآية الحاضرة هو المحو الفكري والروحي، والتأخر المعنوي.
وأما العقوبة الثانية التي هددهم الله بها فهي اللعن والطرد من رحمته تعالى إذ قال: أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت (2).
وهنا يطرح سؤال وهو: ما الفرق بين هذين التهديدين، حتى يفصل بينهما ب " أو "؟