الآخرين، لأن العدالة أرفع وأسمى من كل شئ، فتقول الآية الكريمة: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا... وتكرر الآية التأكيد لبيان ما للعدل من أهمية قصوى فتقول أعدلوا هو أقرب للتقوى.
وبما أن العدالة تعتبر أهم أركان التقوى، تؤكد الآية مرة ثالثة قائلة:
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.
والفرق بين فحوى هذه الآية والآية المشابهة لها الواردة في سورة النساء، يتحدد من عدة جهات:
أولا: إن الآية الواردة في سورة النساء دعت إلى إقامة العدل والشهادة لله، أما الآية الأخيرة فقد دعت إلى القيام لله والشهادة بالحق والعدل، ولعل وجود هذا الفارق لأن الآية الواردة في سورة النساء استهدفت بيان ضرورة أن تكون الشهادة لله، لا لأقارب وذوي الشاهد، بينما الآية الأخيرة ولكونها تتحدث عن الأعداء أوردت تعابير مثل الشهادة بالعدل والقسط أي تجنب الشهادة بالظلم والجور.
ثانيا: أشارت الآية الواردة في سورة النساء إلى واحد من عوامل الانحراف عن العدالة، بينما الآية الأخيرة أشارت إلى عامل آخر في نفس المجال، فهناك ذكرت الآية عامل الحب المفرط الذي لا يستند على تبرير أو دليل، بينما ذكرت الآية الأخيرة الحقد المفرط الذي لا مبرر له.
ولكن الآيتين كليهما تتلاقيان في عامل اتباع الأهواء والنزوات التي تتحدث عنها الآية الأولى في جملة: فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا... لأن الهوى مصدر كل ظلم وجور ينشأ من الاندفاع الأعمى وراء الأهواء والمصالح الشخصية، لا من دافع الحب أو الكراهية، وعلى هذا الأساس فإن المصدر الحقيقي للانحراف عن العدل هو نفس اتباع الهوى، وقد جاء في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)