إخفائه من حقائق الكتب السماوية، ولهذا قال سبحانه عنهم فنبذوه وراء ظهورهم أنها كناية رائعة عن عدم العمل بالواجب وتناسيه، لأن الإنسان إذا عزم على العمل بشئ وأراد جعله ملاكا له، فإن يجعله قدامه، وينظر إليه مرة بعد أخرى، ولكنه إذا لم يرد العمل به وأراد تناسيه بالمرة أزاحه من وجهه، وألقاه خلف ظهره.
ثم أنه سبحانه أشار إلى حرص اليهود وجشعهم وحبهم المفرط للدنيا إذ يقول: واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون.
إن حبهم الشديد للدنيا الذي بلغ حد العبادة، وانحطاطهم الفكري آل بهم إلى أن يكتموا الحقائق لقاء مكاسب مادية، ولكن الآية تقول: أنهم لم يشتروا بذلك ولم يكسبوا إلا ثمنا قليلا، وبئس ما يشترون.
ولو أنهم قد حصلوا لقاء كتمان الحقائق - هذه الجريمة الكبرى - على ثروة عظيمة وطائلة لكان ثمة مجال لأن يقال: إن عظمة المال والثروة قد أعمت أبصارهم وأسماعهم، ولكن الذي يدعو إلى الدهشة والعجب أنهم باعوا كل ذلك لقاء ثمن بخس ومتاع قليل، (طبعا المقصود هنا هو علماؤهم الدنيئوا الهمة).
3 العلماء والوظيفة الكبرى:
إن الآية الحاضرة وإن كانت قد وردت بحق أهل الكتاب (من اليهود والنصارى) إلا أنها في الحقيقة تحذير وإنذار لكل علماء الدين ورجاله بأن عليهم أن يجتهدوا في تبليغ الحقائق وبيان الأحكام الإلهية، وتوضيحها وإظهارها بجلاء، وإن ذلك مما كتبه الله عليهم، وأخذ منهم ميثاقا مؤكدا وغليظا.
إن كلمة " لتبيننه " وما اشتقت منه في أصل اللغة في هذه الآية تكشف عن أن المقصود ليس هو فقط تلاوة آيات الله أو نشر ما احتوت عليه الكتب السماوية من كلمات وعبارات، بل المقصود هو عرض ما فيها من الحقائق على الناس،