أمرناهم بأن يقتلوا أنفسهم (أي يقتل بعضهم بعضا) أو يخرجوا من وطنهم المحبب عندهم لما فعله إلا قليل منهم.
إن مسألة " الاستعداد للقتل " تشبه - حسب قول بعض المفسرين - مسألة " الخروج عن الوطن " من جهات عديدة، لأن البدن وطن الروح الإنسانية تماما كما أن الوطن مثل الجسم الإنساني، فكما أن التغاضي عن ترك وطن الجسم أمر صعب، كذلك التغاضي عن الوطن الذي هو مسقط رأس الإنسان ومحل ولادته ونشأته.
ثم إن الله سبحانه يقول: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا أي لو أنهم قبلوا نصائح النبي ومواعظه لكان ذلك من مصلحتهم، ولكان سببا لتقوية أسس الإيمان عندهم.
والملفت للنظر أن القرآن يعبر - في هذه الآية - عن الأحكام والأوامر الإلهية بالموعظة، وهو إشارة إلى أن الأحكام المذكورة ليست أمورا تصب في مصلحة المشرع (أي الله) أو تجر له نفعا، بل هي - في الحقيقة - نصائح ومواعظ نافعة لكم، ولهذا يقول ودون تأخير: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا أي تقوية لإيمانهم وترسيخا لجذورها في نفوسهم.
ولابد أيضا أن ننتبه إلى هذه النقطة، وهي أن الله سبحانه يقول في ختام هذه الآية وأشد تثبيتا أي كلما اجتهد الإنسان في السير في سبيل طاعة الله وتنفيذ أوامره ازدادت استقامته وازداد ثباته، وهذا يعني أن إطاعة الأوامر الإلهية نوع من الرياضة الروحية التي تحصل للإنسان من تكرارها قوة وثبات أكبر واستحكام أكثر، على غرار ما يحصل للجسم نتيجة تكرار الرياضات الجسمية والتمارين الرياضية البدنية، فيصل الإنسان - نتيجة ذلك - إلى مرحلة لا يمكن لأية قدرة أن تغلب قدرته أو تخدعه أو تزعزعه.
ثم إنه سبحانه يبين - في الآية الثانية - الفائدة الثالثة من فوائد التسليم لأوامر