الكتاب كان حاضرا، وأنشد لخفاف بن ندبة:
أقول له، والرمح يأطر متنه: * تأمل خفافا إنني أنا ذلكا أي: إنا هذا وهذا البيت يمكن اجراؤه على ظاهره أي: إنني أنا ذلك الرجل الذي سمعت شجاعته. وإذا جرى للشئ ذكر يجوز أن يقول السامع: هذا كما قلت، وذلك كما قلت. وتقول: أنفقت ثلاثة وثلاثة، فهذا ستة، أو فذلك ستة.
وإنما تقول هذا لقربه بالاخبار عنه، وتقول ذلك لكونه ماضيا. وقيل: إن الله وعد نبيه أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء، ولا يخلق على كثرة الرد، فلما أنزل القرآن قال:
هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك، عن الفراء، وأبي علي الجبائي. وقيل معناه: هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك به في الكتب السالفة، عن المبرد.
ومن قال: إن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل، فقوله فاسد، لأنه وصف الكتاب بأنه لا ريب فيه، وأنه هدى، ووصف ما في أيدي اليهود والنصارى بأنه محرف بقوله (يحرفون الكلم عن مواضعه).
ومعنى قوله (لا ريب فيه) أي: إنه بيان وهدى وحق ومعجز، فمن ههنا استحق الوصف بأنه لا شك فيه لا (1) على جهة الاخبار بنفي شك الشاكين. وقيل:
إنه على الحذف، كأنه قال لا سبب شك فيه، لأن الأسباب التي توجب الشك في الكلام هي التلبيس والتعقيد والتناقض، والدعاوي العارية من البرهان، وهذه كلها منفية عن كتاب الله تعالى. وقيل: إن معناه النهي، وإن كان لفظه الخبر أي: لا ترتابوا أو لا تشكوا فيه، كقوله تعالى (لا رفث ولا فسوق).
وأما تخصيص المتقين بأن القرآن هدى لهم، وإن كان هدى لجميع الناس، فلأنهم هم الذين انتفعوا به، واهتدوا بهداه، كما قال (إنما أنت منذر من يخشاها) وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم منذرا لكل مكلف، لأنه إنما انتفع بانذاره من يخشى نار جهنم. على أنه ليس في الإخبار بأنه هدى للمتقين، ما يدل على أنه ليس بهدى لغيرهم، وبين في آية أخرى أنه هدى للناس.
[فصل في التقوى والمتقي] روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: جماع التقوى في قوله تعالى: (إن الله يأمر