أخرجه عن ملكه. ونفقت الدابة: إذا خرج روحها. والنافقاء: جحر اليربوع، لأنه يخرج منها. ومنه النفاق، لأن المنافق يخرج إلى المؤمن بالإيمان، وإلى الكافر بالكفر.
المعنى: لما وصف القرآن بأنه هدى للمتقين، بين صفة المتقين، فقال: (الذين يؤمنون بالغيب) أي: يصدقون بجميع ما أوجبه الله تعالى، أو ندب إليه، أو أباحه. وقيل: يصدقون بالقيامة والجنة والنار، عن الحسن.
وقيل: بما جاء من عند الله، عن ابن عباس. وقيل: بما غاب عن العباد علمه، عن ابن مسعود، وجماعة من الصحابة. وهذا أولى لعمومه، ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من زمان غيبة المهدي عليه السلام، ووقت خروجه. وقيل: الغيب هو القرآن، عن زر بن حبيش. وقال الرماني: الغيب خفاء الشئ عن الحس قرب أو بعد، إلا أنه كثرت صفة غائب على البعيد الذي لا يظهر للحس. وقال البلخي:
الغيب كل ما أدرك بالدلائل والآيات، مما يلزم معرفته. وقالت المعتزلة بأجمعها:
الإيمان هو فعل الطاعة. ثم اختلفوا، فمنهم من اعتبر الفرائض والنوافل، ومنهم من اعتبر الفرائض حسب واعتبروا اجتناب الكبائر كلها. وقد روى الخاص والعام، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام: إن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، والعمل بالأركان. وقد روي ذلك على لفظ آخر عنه أيضا: الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول، واتباع الرسول. وأقول: إن أصل الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله، وبجميع ما جاءت به رسله. وكل عارف بشئ فهو مصدق به، يدل عليه هذه الآية، فإنه تعالى لما ذكر الإيمان، علقه بالغيب، ليعلم أنه تصديق للمخبر به من الغيب على معرفة وثقة. ثم أفرده بالذكر عن سائر الطاعات البدنية والمالية، وعطفهما عليه، فقال (ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) والشئ لا يعطف على نفسه، وإنما يعطف على غيره، ويدل عليه أيضا أنه تعالى حيث ذكر الإيمان، أضافه إلى القلب، فقال: (وقلبه مطمئن بالإيمان)، وقال: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الإيمان سر، وأشار إلى صدره، والإسلام علانية. وقد يسمى الإقرار إيمانا كما يسمى تصديقا، إلا أنه متى صدر عن شك أو جهل، كان إيمانا لفظيا لا حقيقيا. وقد تسمى أعمال الجوارح أيضا إيمانا استعارة وتلويحا، كما تسمى تصديقا كذلك، فيقال: فلان تصدق أفعاله مقاله، ولا خير في قول لا يصدقه الفعل. والفعل ليس بتصديق حقيقي باتفاق أهل اللغة، وإنما