زيد أم قعد، فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه.
فلما عمتهما التسوية، جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام، لمشاركته له في الإبهام. فكل استفهام تسوية، وإن لم يكن كل تسوية استفهاما. وقال النحويون:
إن نظير (سواء) في هذا قولك: ما أبالي أقبلت أم أدبرت، لأنه وقع موقع أي، فكأنك قلت: ما أبالي أي هذين كان منك. وما أدري أحسنت أم أسأت، وليت شعري أقام أم قعد. وقال حسان:
ما أبالي أنب بالحزن تيس، * أم لحاني بظهر غيب لئيم ومثله في أنه في صورة الاستفهام، وهو خبر، قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا، * وأندى العالمين بطون راح ولو كان استفهاما لم يكن مدحا، وقول الآخر:
سواء عليه أي حين أتيته * أساعة نحس تتقى، أم بأسعد النزول: قيل: نزلت في أبي جهل، وخمسة من أهل بيته قتلوا يوم بدر، عن الربيع بن انس، واختاره البلخي. وقيل: نزلت في قوم بأعيانهم من أحبار اليهود ممن كفر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عنادا وكتم أمره حسدا، عن ابن عباس. وقيل:
نزلت في أهل الختم والطبع الذين علم الله أنهم لا يؤمنون، عن أبي علي الجبائي.
وقيل: نزلت في مشركي العرب، عن الأصم. وقيل: هي عامة في جميع الكفار.
أخبر تعالى بان جميعهم لا يؤمنون، ويكون كقول القائل: لا يقدم جميع إخوتك اليوم، فلا ينكر أن يقدم بعضهم. واختار الشيخ أبو جعفر، قدس الله روحه، أن يكون على الإختصاص، وتجويز كل واحد من الأقوال الأخر، وهذا أظهر وأسبق إلى الفهم.
المعنى: لما بين تعالى حال المؤمنين، وصله بذكر الكافرين. والكفر في الشرع: عبارة عن جحد ما أوجب الله تعالى معرفته من توحيده، وعدله، ومعرفة نبيه، وما جاء به من أركان الشرع، فمن جحد شيئا من ذلك كان كافرا. وهذه الآية تدل على أن في المكلفين من لا لطف له، لأنه لو كان لفعل ولآمنوا. فلما أخبر أنهم لا يؤمنون، علم أنهم لا لطف لهم. وتدل على صدق