الذين: موصول، ويؤمنون صلته، ويحتمل أن يكون محله نصبا وجرا ورفعا.
فالنصب على المدح تقديره أعني الذين يؤمنون. وأما الجر فعلى أنه صفة للمتقين. وأما الرفع فعلى المدح أيضا، كأنه لما قيل هدى للمتقين، قيل:
من هم؟ قيل: هم الذين يؤمنون بالغيب، فيكون خبر مبتدأ محذوف.
ويؤمنون: معناه يصدقون والواو في موضع الرفع بكونه ضمير الفاعلين. والنون علامة الرفع. والأصل في يفعل: يؤفعل، ولكن الهمزة حذفت، لأنك إذا أنبأت عن نفسك، قلت أنا أفعل. فكانت تجتمع همزتان، فاستثقلتا، فحذفت الهمزة الثانية، فقيل: أفعل. ثم حذفت من الصيغ الاخر نفعل وتفعل ويفعل، كما أن باب يعد حذفت منه الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، إذ الأصل يوعد. ثم حذفت في تعد وأعد ونعد، ليجري الباب على سنن واحد. قال الأزهري: اتفق العلماء على أن الإيمان هو التصديق، قال الله تعالى: (وما أنت بمؤمن لنا) أي: ما أنت بمصدق لنا. قال أبو زيد: وقالوا ما أمنت أن أجد صحابة أي: ما وثقت. فالإيمان: هو الثقة والتصديق، قال الله تعالى:
(الذين آمنوا بآياتنا) أي: صدقوا ووثقوا بها. وقال الشاعر أنشده ابن الأنباري:
ومن قبل آمنا، وقد كان قومنا * يصلون للأوثان قبل محمدا ومعناه آمنا محمدا أي: صدقناه. ويجوز أن يكون آمن من قياس فعلته فأفعل، تقول أمنته فأمن، مثل كببته فأكب. والأمن: خلاف الخوف. والأمانة: خلاف الخيانة. والأمون: الناقة القوية، كأنها يؤمن عثارها وكلالها. ويجوز أن يكون آمن بمعنى صار ذا أمن على نفسه بإظهار التصديق نحو: أجرب وأعاه وأصح وأسلم:
صار ذا سلم أي: خرج عن أن يكون جربا. هذا في أصل اللغة.
أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالى وأنبيائه، وملائكته، وكتبه، والبعث والنشور، والجنة والنار. وأما قولنا في وصف القديم تعالى المؤمن: فإنه يحتمل تأويلين أحدهما: أن يكون من آمنت المتعدي إلى مفعول، فنقل بالهمزة فتعدى إلى مفعولين، فصار من أمن زيد العذاب، وآمنته العذاب، فمعناه: المؤمن عذابه من لا يستحقه من أوليائه. ومن هذا وصفه سبحانه بالعدل كقوله (قائما بالقسط)، وهذا الوجه مروي في أخبارنا. والآخر: أن يكون