وهذا القول فيه نظر، لأن التكرير إنما يكون تأكيدا إذا لم يكن محمولا على فعل ثان. وإياك الثاني في الآية محمول على نستعين، ومفعول له، فكيف يكون تأكيدا. وقيل أيضا إنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة. فإن قيل: إن عبادة الله تعالى لا تتأتى بغير إعانة منه، فكان يجب أن يقدم الاستعانة على العبادة.
فالجواب: إنه قدم العبادة على الاستعانة لا على الإعانة، وقد تأتي بغير استعانة.
وأيضا فإن أحدهما إذا كان مرتبطا بالآخر، لم يختلف التقديم والتأخير، كما يقال:
قضيت حقي فأحسنت إلي، وأحسنت إلي فقضيت حقي. وقيل: إن السؤال للمعونة إنما يقع على عبادة مستأنفة، لا على عبادة واقعة منهم، وإنما حسن طلب المعونة، وإن كان لا بد منها مع التكليف على وجه الانقطاع إليه تعالى كقوله (رب احكم بالحق) ولأنه ربما لا يكون اللطف في إدامة التكليف، ولا في فعل المعونة به إلا بعد تقديم الدعاء من العبد.
وقد أخطأ من استدل بهذه الآية على أن القدرة مع الفعل، من حيث إن القدرة لو كانت متقدمة، لما كان لطلب المعونة وجه، لأن للرغبة إلى الله تعالى في طلب المعونة وجهين أحدهما: أن يسأل الله تعالى من ألطافه، وما يقوي دواعيه، ويسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل، ومتى لطف له بأن يعلمه أن له في فعله الثواب العظيم، زاد ذلك في نشاطه ورغبته. والثاني: أن يطلب بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدد له القدرة حالا بعد حال، عند من لا يقول ببقائها، وأن لا يفعل ما يضادها وينفيها عند من قال ببقائها. وأما العدول عن الخبر إلى الخطاب في قوله (إياك نعبد) إلى آخر السورة، فعلى عادة العرب المشهورة وأشعارهم من ذلك مملوءة.
قال لبيد:
باتت تشكى إلي النفس مجهشة، * وقد حملتك سبعا بعد سبعينا وقال أبو كثير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جدة خالد، * وبياض وجهك للتراب الأعفر فرجع من الاخبار عن النفس إلى مخاطبتها في البيت الأول، ومن الإخبار عن خالد إلى خطابه في البيت الثاني. وقال الكسائي: تقديره قولوا إياك نعبد، أو قل يا محمد هذا كما قال الله تعالى (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا) وقال: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام) أي: يقولون سلام.