(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) أي: أينما كنتم من الأرض، في بر أو بحر، أو سهل أو جبل، فولوا وجوهكم نحوه. فالأول: خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل المدينة والثاني: خطاب لجميع أهل الآفاق. ولو اقتصر على الأول لجاز أن يظن أن ذلك قبلتهم حسب، فبين سبحانه أنه قبلة لجميع المصلين في مشارق الأرض ومغاربها.
وذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتابه عن ابن عباس أنه قال: البيت كله قبلة، وقبلة البيت الباب، والبيت قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة أهل الأرض كلها. وهذا موافق لما قاله أصحابنا إن الحرم قبلة من نأى عن الحرم من أهل الآفاق. وقوله: (وإن الذين أوتوا الكتاب) أراد به علماء اليهود. وقيل:
علماء اليهود والنصارى (ليعلمون انه الحق من ربهم) أي: يعلمون أن تحويل القبلة إلى الكعبة حق مأمور به من ربهم. وإنما علموا ذلك لأنه كان في بشارة الأنبياء لهم، أن يكون نبي من صفاته كذا وكذا، وكان في صفاته أنه يصلي إلى القبلتين.
وروي أنهم قالوا عند التحويل: ما أمرت بهذا يا محمد، وإنما هو شئ تبتدعه من تلقاء نفسك، مرة إلى هنا، ومرة إلى هنا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، وبين أنهم يعلمون خلاف ما يقولون (وما الله بغافل عما يعملون) أي: ليس الله بغافل عما يعمل هؤلاء من كتمان صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمعاندة. ودل هذا على أن المراد بالآية قوم معدودون، يجوز على مثلهم التواطؤ على الكذب، وعلى أن يظهروا خلاف ما يبطنون. فأما الجمع العظيم فلا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب، ولا يتأتى فيهم كلهم أن يظهروا خلاف ما يعلمون.
وهذه الآية ناسخة لفرض التوجه إلى بيت المقدس. وقال ابن عباس: أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة. وقال قتادة: نسخت هذه الآية ما قبلها.
وقال جعفر بن مبشر: هذا مما نسخ من السنة بالقرآن وهذا هو الأقوى، لأنه ليس في القرآن ما يدل على التعبد بالتوجه إلى بيت المقدس. ومن قال إنها نسخت قوله (فأينما تولوا فثم وجه الله) فإن هذه الآية عندنا مخصوصة بالنوافل في حال السفر، روي ذلك عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام، وليست بمنسوخة.
واختلف الناس في صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس فقال قوم: كان عليه السلام يصلي بمكة إلى الكعبة. فلما هاجر إلى المدينة، أمره الله تعالى أن يصلي إلى بيت