الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لجبريل: وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرهما. فقال له جبريل عليه السلام: إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فادع ربك وسله. ثم ارتفع جبريل، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ربه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فقال:
المعنى: (قد نرى تقلب وجهك) يا محمد (في السماء) لانتظار الوحي في أمر القبلة. وقيل في سبب تقليب النبي وجهه في السماء قولان (1) أحدهما: إنه كان وعد بتحويل القبلة عن بيت المقدس، فكان يفعل ذلك انتظارا وتوقعا للموعود، كما أن من انتظر شيئا فإنه يجعل بصره إلى الجهة التي يتوقع وروده منها والثاني: إنه كان يكره قبلة بيت المقدس، ويهوى قبلة الكعبة، وكان لا يسأل الله تعالى ذلك، لأنه لا يجوز للأنبياء أن يسألوا الله تعالى شيئا من غير أن يؤذن لهم فيه، لأنه يجوز أن لا يكون فيه مصلحة، فلا يجابون إلى ذلك، فيكون فتنة لقومهم.
واختلف في سبب إرادته تحويل القبلة إلى الكعبة، فقيل: لأن الكعبة كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقبلة آبائه، عن ابن عباس. وقيل: لأن اليهود قالوا:
يخالفنا محمد في ديننا، ويتبع قبلتنا، عن مجاهد. وقيل: إن اليهود قالوا: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم، عن ابن زيد. وقيل: كانت العرب يحبون الكعبة، ويعظمونها غاية التعظيم، فكان في التوجه إليها استمالة لقلوبهم، ليكونوا أحرص على الصلاة إليها. وكان صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على استدعائهم إلى الدين.
ويحتمل أن يكون إنما أحب ذلك لجميع هذه الوجوه.، إذ لا تنافي بينها.
وقوله (فلنولينك قبلة ترضاها) أي: فلنصرفنك إلى قبلة تريدها وتحبها. وإنما أراد به محبة الطباع، لا أنه كان يسخط القبلة الأولى. (فول وجهك شطر المسجد الحرام) أي: حول نفسك نحو المسجد الحرام، لأن وجه الشئ نفسه. وقيل:
إنما ذكر الوجه لأن به يظهر التوجه. وقال أبو علي الجبائي: أراد بالشطر النصف، فأمره الله تعالى بالتوجه إلى نصف المسجد الحرام، حتى يكون مقابل الكعبة. وهذا خطأ لأنه خلاف أقوال المفسرين.