وقوله: (من يتبع الرسول) أي: يؤمن به، ويتبعه في أقواله وأفعاله. (ممن ينقلب على عقبيه) فيه قولان أحدهما: إن قوما ارتدوا عن الاسلام لما حولت القبلة جهلا منهم بما فيه من وجوه الحكمة. والآخر: إن المراد به كل مقيم على كفره، لأن جهة الاستقامة إقبال، وخلافها إدبار، ولذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر، وأنه كذب وتولى أي: عن الحق. وقوله (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) الضمير في (كانت) يعود إلى القبلة على قول أبي العالية، أي: وقد كانت القبلة كبيرة. وقيل: الضمير يرجع إلى التحويلة ومفارقة القبلة الأولى، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وهو الأقوى، لأن القوم إنما ثقل عليهم التحول لا نفس القبلة.
وقيل: الضمير يرجع إلى الصلاة، عن ابن زيد. وقوله (لكبيرة): قال الحسن:
معناه ثقيلة يعني التحويلة إلى بيت المقدس، لأن العرب لم تكن قبلة أحب إليهم من الكعبة. وقيل: معناه عظيمة على من لا يعرف ما فيها من وجه الحكمة. فأما الذين هداهم الله لذلك، فلا تعظم عليهم، وهم الذين صدقوا الرسول في التحول إلى الكعبة، وإنما خص المؤمنين بأنه هداهم وإن كان قد هدى جميع الخلق، لأنه ذكرهم على طريق المدح، ولأنهم الذين انتفعوا بهدى الله، وغيرهم كأنه لم يتعد بهم.
وقوله (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قيل فيه أقوال أحدها: إنه لما حولت القبلة قال ناس: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله (وما كان الله ليضيع إيمانكم) عن ابن عباس وقتادة. وقيل: إنهم قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك؟ وكان قد مات أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وكانا من النقباء. فقال: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي: صلاتكم إلى بيت المقدس.
ويمكن على هذا أن يحمل الإيمان على أصله في التصديق أي: لا يضيع تصديقكم بأمر تلك القبلة.
وثانيها: إنه لما ذكر ما عليهم من المشقة في التحويلة، تبعه بذكر ما لهم عنده بذلك من المثوبة، وأنه لا يضيع ما عملوه من الكلفة فيه، لأن التذكير به يبعث على ملازمة الحق، والرضا به، عن الحسن وثالثها: إنه لما ذكر إنعامه عليهم بالتولية إلى الكعبة، ذكر السبب الذي استحقوا به ذلك الانعام، وهو إيمانهم بما حملوه أولا، فقال: وما كان الله ليضيع إيمانكم الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في التوجه إلى الكعبة، عن أبي القاسم البلخي.