وقوله: (لتكونوا شهداء على الناس) فيه ثلاثة أقوال أحدها: إن المعنى لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة، كما قال: (وجئ بالنبيين والشهداء)، وقال: (ويوم يقوم الأشهاد). وقال ابن زيد:
الاشهاد أربعة: الملائكة والأنبياء وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والجوارح كما قال: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) الآية والثاني: إن المعنى لتكونوا حجة على الناس، فتبينوا لهم الحق والدين، ويكون الرسول عليكم شهيدا، مؤديا للدين إليكم، وسمي الشاهد شاهدا لأنه يبين ولذلك يقال للشهادة بينة. والثالث: إنهم يشهدون للأنبياء على أممهم المكذبين لهم، بأنهم قد بلغوا، وجاز ذلك لإعلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياهم بذلك.
وقوله: (ويكون الرسول عليكم شهيدا) أي: شاهدا عليكم بما يكون من أعمالكم. وقيل: حجة عليكم. وقيل: شهيدا لكم بأنكم قد صدقتم يوم القيامة فيما تشهدون به، وتكون على بمعنى اللام، كقوله: (وما ذبح على النصب) أي:
للنصب. وقوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) قيل: معنى (كنت عليها):
صرت عليها، وأنت عليها يعني الكعبة. كقوله (كنتم خير أمة) أي: أنتم خير أمة.
وقيل: هو الأصح يعني بيت المقدس الذي كانوا يصلون إليها (1) أي: ما صرفناك عن القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم، أو ما جعلنا القبلة التي كنت عليها فصرفناك عنها (إلا لنعلم) وحذف لدلالة الكلام عليه.
وفي قوله (إلا لنعلم) أقوال أولها: إن معناه ليعلم حزبنا من النبي والمؤمنين، كما يقول الملك: فتحنا بلد كذا، أو فعلنا كذا أي: فتح أولياؤنا. والثاني: إن معناه ليحصل المعلوم موجودا، وتقديره ليعلم أنه موجود، فلا يصح وصفه بأنه عالم بوجود المعلوم قبل وجوده. والثالث: إن معناه لنعاملكم معاملة المختبر الممتحن الذي كأنه لا يعلم، إذ العدل يوجب ذلك من حيث لو عاملهم بما يعلم أنه يكون منهم قبل وقوعه كان ظلما. والرابع: ما قاله علم الهدى المرتضى، قدس الله روحه، وهو: إن قوله (لنعلم) تقتضي حقيقة أن يعلم هو وغيره، ولا يحصل علمه مع علم غيره، إلا بعد حصول الاتباع. فأما قبل حصوله، فيكون القديم سبحانه هو المنفرد بالعلم به، فصح ظاهر الآية.