منهم أحد لأن المعاند لا تنفعه الدلالة. وإنما تنفع الجاهل الذي لا يعلم.
(وما أنت بتابع قبلتهم) في معناه أربعة أقوال أحدها: إنه رفع لتجويز النسخ، وبيان أن هذه القبلة لا تنسخ وثانيها: إنه على وجه المقابلة لقوله (ما تبعوا قبلتك) كما يقال ما هم بتاركي إنكار الحق، وما أنت بتارك الاعتراف به، فيكون الذي جر الكلام الثاني هو التقابل للكلام الأول. وثالثها: إن المراد ليس يمكنك استصلاحهم باتباع قبلتهم، لاختلاف وجهتهم لأن النصارى تتوجه إلى جهة المشرق، الموضع الذي ولد فيه عيسى عليه السلام، واليهود إلى بيت المقدس. فبين الله سبحانه أن إرضاء الفريقين محال ورابعها: إن المراد حسم أطماع أهل الكتاب من اليهود، إذ كانوا طمعوا في ذلك، وظنوا أنه يرجع إلى الصلاة إلى بيت المقدس.
وقوله (وما بعضهم بتابع قبلة بعض) في معناه قولان أحدهما: إنه لا تصير النصارى كلهم يهودا، أو تصير اليهود كلهم نصارى أبدا، كما لا يتبع جميعهم الاسلام. وهذا من الإخبار بالغيب قاله الحسن والسدي الآخر: إن معناه اسقاط اعتلالهم بأنه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب، فيما ورثوه عن أنبياء الله، وأن بيت المقدس لم يزل كان قبلة الأنبياء، فهو أولى بأن يكون قبلة أي: فكما جاز أن يخالف بين وجهتيهم للاستصلاح، جاز أن يخالف بوجهة ثالثة في زمان آخر للاستصلاح.
ويحتمل أيضا أن يجري الكلام على الظاهر، لأنه لم يثبت أن يهوديا تنصر، ولا أن نصرانيا تهود، فلا ضرورة بنا إلى العدول عن الظاهر إلى التأويل، وهذا قول القاضي.
وقوله: (ولئن اتبعت أهواءهم) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه أربعة أقوال أولها: إن المراد به غيره من أمته، وإن كان الخطاب له، والمراد الدلالة على أن الوعيد يستحق باتباع أهوائهم، وأن اتباعهم ردة، عن الحسن والزجاج وثانيها: إن المراد إن اتبعت أهواءهم في المداراة لهم، حرصا أن يؤمنوا، إنك إذا لمن الظالمين لنفسك، مع أعلامنا إياك أنهم لا يؤمنون، عن الجبائي وثالثها: إن معناه الدلالة على فساد مذاهبهم، وتبكيتهم (1) بها، وأن من تبعهم كان ظالما ورابعها: إنه على سبيل الزجر عن الركون إليهم ومقاربتهم، تقوية لنفسه، ومتبعي شريعته، ليستمروا على عداوتهم، عن القاضي.