كل ما يوجبه معنى له مثل كالألوان والأكوان ونحوها والآخر: لا يصح فيه التزايد، وهو كل ما يوجبه معنى. وكتم وأخفى وأسر واحد. والغفلة والسهو والنسيان نظائر: وهو ذهاب المعنى عن النفس. والصحيح أن السهو ليس بمعنى، وإنما هو فقد علوم مخصوصة، فإن استمر به السهو مع صحة سمي جنونا، فإذا قارنه ضرب من الضعف، سمي إغماء، وإذا قارنه ضرب من الاسترخاء سمي نوما، فإن قارنه نوع من الطرب سمي سكرا، وإذا حصل السهو بعد علم سمي نسيانا.
الاعراب: (أم الله): الله مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره أم الله أعلم. و (عنده): ظرف مكان لكتم، أو يكون صفة لشهادة تقديره شهادة كائنة عنده. و (من الله): صفة لشهادة أيضا، وهي صفة بعد صفة.
المعنى: قد ذكرنا الفرق في المعنى بين قوله: (أم تقولون) على المخاطبة وقوله أم يقولون بالياء على أن يكون المعنى لليهود والنصارى، وهم غيب. وفي هذا احتجاج عليهم في قولهم: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) من وجوه أحدها: ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مع ظهور المعجز الدال على صدقه والثاني: ما في التوراة والإنجيل من أن هؤلاء الأنبياء كانوا على الحنيفية والثالث: إن عندهم إنما يقع اسم اليهودية على من تمسك بشريعة التوراة، واسم النصرانية على من تمسك بشريعة الإنجيل، والكتابان أنزلا بعدهم كما قال سبحانه:
(وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده). والرابع: إنهم ادعوا ذلك من غير برهان، فوبخهم الله سبحانه بهذه الوجوه.
وقوله: (قل أأنتم أعلم أم الله) صورته صورة الاستفهام، والمراد به التوبيخ، ومثله قوله (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها) ومعناه. قل يا محمد لهم: أأنتم أعلم أم الله. وقد أخبر سبحانه أنهم كانوا على الحنيفية، وزعمتم أنهم كانوا هودا أو نصارى، فيلزمكم أن تدعوا أنكم أعلم من الله، وهذا غاية الخزي.
فإن قيل: لم قال أأنتم أعلم أم الله، وقد كانوا يعلمونه فكتموه، وإنما ظاهر هذا الخطاب لمن لا يعلم؟ فالجواب: إن من قال إنهم كانوا على ظن وتوهم، فوجه الكلام على قوله واضح. ومن قال: إنهم كانوا يعلمون ذلك، وإنما كانوا يجحدونه، فمعناه أن منزلتكم منزلة المعترض على ما يعلم أن الله أخبر به، فما ينفعه