أنواع الكفر، حتى قال (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) فبين سبحانه أن ذلك الكفر كان من نوع السحر، فإن اليهود أضافوا إلى سليمان السحر، وزعموا أن ملكه كان به، فبرأه الله منه، وهو قول ابن عباس وابن جبير وقتادة.
واختلف في السبب الذي لأجله أضافت اليهود السحر إلى سليمان عليه السلام، فقيل: إن سليمان كان قد جمع كتب السحرة، ووضعها في خزانته. وقيل: كتمها تحت كرسيه لئلا يطلع عليها الناس، ولا يعلموا بها. فلما مات سليمان استخرجت السحرة تلك الكتب، وقالوا: إنما تم ملك سليمان بالسحر، وبه سخر الإنس والجن والطير، وزينوا السحر في أعين الناس بالنسبة إلى سليمان عليه السلام، وشاع ذلك في اليهود وقبلوه لعداوتهم لسليمان، عن السدي.
وروي العياشي بإسناده عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما هلك سليمان وضع إبليس السحر، ثم كتبه في كتاب، وأطواه، وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا من ملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، من أراد كذا وكذا فليقل كذا وكذا. ثم دفنه تحت السرير، ثم استثاره لهم، فقال الكافرون: ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا. وقال المؤمنون: هو عبد الله ونبيه. فقال الله في كتابه:
(واتبعوا ما تتلو الشياطين) الآية. وفي قوله (ولكن الشياطين كفروا) ثلاثة أقوال أحدها: إنهم كفروا بما استخرجوه من السحر. وثانيها: إنهم كفروا بما نسبوا إلى سليمان من السحر. وثالثها: إنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر.
وفي قوله: (يعلمون الناس السحر) قولان أحدهما: إنهم ألقوا السحر إليهم فتعلموه والثاني: إنهم دلوهم على استخراجه من تحت الكرسي، فتعلموه. وقوله (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فيه وجوه:
أحدها: إن المراد أن الشياطين يعلمون الناس السحر، والذي أنزل على الملكين، وإنما أنزل على الملكين وصف السحر، وماهيته، وكيفية الاحتيال فيه، ليعرفا ذلك، ويعرفاه الناس فيجتنبوه، غير أن الشياطين لما عرفوه استعملوه، وإن كان المؤمنون إذا عرفوه اجتنبوه وانتفعوا بالاطلاع على كيفيته. وثانيها: أن يكون المراد على ما ذكرناه قبل من أن معناه واتبعوا ما كذبت به الشياطين على ملك سليمان، وعلى ما أنزل على الملكين أي: معهما وعلى ألسنتهما، كما قال سبحانه: (ما وعدتنا على رسلك) أي: معهم، وعلى ألسنتهم. وثالثها: أن يكون