حكاية للحال في الوقت الذي كانت فيه، وإن كان آل فرعون منقرضين في وقت هذا الخطاب، ومن هذا ما أنشده ابن الأعرابي:
جارية في رمضان الماضي * تقطع الحديث بالايماض (1) وقوله (وما أنزل): ذكر في (ما) ثلاثة أقوال أحدها: إنه بمعنى الذي و (أنزل) صلته، وموضعه نصب بكونه معطوفا على السحر. وقيل: إنه معطوف على قوله (ما تتلو الشياطين). وثانيها: إنه بمعنى أيضا، وموضعه جر ويكون معطوفا بالواو على ملك سليمان. وثالثها: إنه بمعنى الجحد والنفي، وتقديره: وما كفر سليمان، ولم ينزل الله السحر على الملكين. و (بابل): اسم بلد لا ينصرف للتعريف والتأنيث. وقوله (فيتعلمون): لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الفعل معطوفا بالفاء على فعل قبله، أو يكون خبر مبتدأ محذوف. والفعل الذي قبله لا يخلو: إما أن يكون كفروا من قوله (ولكن الشياطين كفروا) فيجوز أن يكون (فيتعلمون) معطوفا عليه، لأن (كفروا) في موضع رفع بكونه خبر لكن، فعطف عليه بالمرفوع، وهو قول سيبويه. فأما (يعلمون) فيجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من كفروا أي: كفروا في حال تعليمهم، ويجوز أن يكون بدلا من كفروا، لأن تعليم الشياطين كفر في المعنى. وإذا كان كذلك جاز البدل فيه إذا كان إياه في المعنى، كما كان مضاعفة العذاب لما كان لقي الآثام في قوله (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب)، جاز إبداله منه. وإما أن يكون الفعل الذي عطف عليه يتعلمون قوله يعلمون، وهو قول الفراء.
وأنكر الزجاج هذا القول قال: لأن قوله (منهما) دليل على التعلم من الملكين خاصة. قال أبو علي: فهذا يدخل على قول سيبويه أيضا، كما يدخل على قول الفراء، لأنهما جميعا قالا بعطفه على فعل الشياطين. قال: وهذا الاعتراض ساقط من جهتين إحداهما: إن التعلم، وإن كان من الملكين خاصة، فلا يمتنع أن يكون قوله (فيتعلمون) عطف على (كفروا)، وعلى (يعلمون)، وإن كان متعلقا بهما، وكان الضمير في منهما راجعا إلى الملكين.
فإن قلت: كيف يجوز هذا؟ وهل يسوغ أن يقدر هذا التقدير، ويلزمك أن يكون النظم: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر فيتعلمون منهما، فتضمر