واختلف في بابل فقيل: هي بابل العراق، لأنه تبلبلت بها الألسن، عن ابن مسعود. وقيل: هي بابل دماوند، عن السدي. وقيل: هي نصيبين إلى رأس العين. وهاروت وماروت قيل: هما رجلان على ما تقدم بيانه. وقيل: هما ملكان من الملائكة أهبطهما الله إلى الأرض على صورة الإنس لئلا ينفر الناس منهما إذا كانا على صورة الملائكة. واختلف في سبب هبوطهما فقيل: إن الله أهبطهما ليأمرا بالدين، وينهيا عن السحر، ويفرقا بينه وبين المعجز، لأن السحر كان كثيرا في ذلك الوقت. ثم اختلف في ذلك فقال قوم: كانا يعلمان الناس كيفية السحر، وينهيان عن فعله، ليكون النهي بعد العلم، فإن من لا يعرف الشئ لا يمكنه اجتنابه. وقال آخرون: لم يكن لهما تعليم السحر لما في ذلك من الإغراء بفعله، وإنما أهبطا لمجرد النهي، إذ كان السحر فاشيا.
وقيل أيضا في سبب هبوطهما: إن الملائكة تعجبت من معاصي بني آدم مع كثرة نعم الله عليهم فقال طائفة منهم: " يا ربنا أما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك، ومما يفترون عليك من الكذب والزور، ويرتكبونه من المعاصي، وقد نهيتهم عنها وهم في قبضتك، وتحت قدرتك " فأحب الله سبحانه أن يعرفهم ما من به عليهم من عجيب خلقهم، وما طبعهم عليه من الطاعة، وعصمهم به من الذنوب، فقال لهم: " اندبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض، وأجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب، والشهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلت في ولد آدم، ثم أختبرهما في الطاعة لي ". قال: فندبوا لذلك هاروت وماروت، وكانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم، واستجرار عتب الله عليهم. قال: فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض، فقد جعلت فيكما من طبائع المطعم والمشرب، والشهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلت في ولد آدم، وانظرا أن لا تشركا بي شيئا، ولا تقتلا النفس التي حرم الله قتلها، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر.
ثم أهبطهما إلى الأرض على صورة البشر ولباسهم، فرفع لهما بناء مشرف، فأقبلا نحوه، فإذا امرأة جميلة حسناء، أقبلت نحوهما فوقعت في قلوبهما موقعا شديدا، ثم إنهما ذكرا ما نهيا عنه من الزنا فمضيا، ثم حركتهما الشهوة فرجعا إليها فراوداها عن نفسها، فقالت: إن لي دينا أدين به، ولست أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان، إلا أن تدخلا في ديني! فقالا: وما دينك؟ فقالت: لي إله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني. قالا: وما إلهك؟