الملكين قبل ذكرهما. والإضمار قبل الذكر غير جائز. وإن لزمك في هذا القول الإضمار قبل الذكر، وكان ذلك غير جائز، لزم أن لا تجيز العطف على واحد من الفعلين اللذين هما كفروا ويعلمون، بل تعطفه على فعل مذكور بعد ذكر الملكين، كما ذهب إليه أبو إسحاق الزجاج، فإنه عطف على ما يوجبه معنى الكلام عند قوله (فلا تكفر) أي: فيأبون فيتعلمون، أو على يعلمان من قوله (ما يعلمان من أحد) لأنهما فعلان مذكوران بعد الملكين؟
فالجواب: أما النظم فإنه على ما ذكرته وهو صحيح، وأما الإضمار قبل الذكر، فإن (منهما) في قوله (فيتعلمون منهما) إذا كان ضميرا عائدا إلى الملكين، فإن اضمارهما بعد تقدم ذكرهما، وذلك سائغ، ونظيره قوله تعالى:
(وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) لما تقدم ذكره أضمر اسمه، ولو قال ابتلى ربه إبراهيم لم يجز، لكونه إضمار قبل الذكر، وهذا بين جدا. فالاعتراض بذلك على سيبويه والفراء ساقط. وأما الجهة الأخرى التي يسقط منها ذلك، فهي أنه قد قيل في قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) ثلاثة أقوال يأتي شرحها في المعنى: قولان منها تعلم السحر فيهما من الملكين، وقول منها تعلمه من الشياطين. فيكون نظم الكلام على هذا: ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا، يعلمون الناس السحر، فيتعلمون منهما. (وما أنزل على الملكين ببابل) أي: لم ينزل. وما (يعلمان من أحد) أي: وما يعلم هاروت وماروت من أحد، فمنهما على هذا القول لا يرجع إلى الملكين، إنما يرجع إلى هاروت وماروت اللذين هما الشياطين في المعنى. فأما حمل الكلام على التثنية والشياطين جمع، فسائغ يجوز أن يحمل على المعنى فيجمع، وعلى لفظ هاروت وماروت فيثنى، ونظيره قوله (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)، ثم قالوا (فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى).
ويجوز أن يكون (يتعلمون) معطوفا على يعلمان من قوله (وما يعلمان من أحد) فيكون الضمير الذي في (يتعلمون) لأحد، إلا أنه جمعه لما حمل على المعنى، كقوله تعالى (فما منكم من أحد عنه حاجزين). فأما جواز عطفه على ما ذكره الزجاج من قوله وقيل إن يتعلمون عطف على ما يوجبه معنى الكلام، لأن المعنى إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيأبون فيتعلمون، وهذا قول حسن فهو قول الفراء.