في البعض المضروب به القتيل، فقيل: ضرب بفخذ البقرة فقام حيا، وقال: قتلني فلان، ثم عاد ميتا، عن مجاهد وقتادة وعكرمة. وقيل: ضرب بذنبها، عن سعيد بن جبير. وقيل: بلسانها، عن الضحاك. وقيل: ضرب بعظم من عظامها، عن أبي العالية. وقيل: بالبضعة التي بين الكتفين، عن السدي. وقيل: ضرب ببعض آرابها (1)، عن أبي زيد. وهذه الأقاويل كلها محتملة الطاهر. والمعلوم أن الله، سبحانه وتعالى، أمر أن يضرب القتيل ببعض البقرة ليحيا القتيل إذا فعلوا ذلك، فيقول: فلان قتلني، ليزول الخلف والتدارؤ بين القوم. والصانع عز اسمه، وإن كان قادرا على إحيائه من دون ذلك، فإنما أمرهم بذلك، لأنهم سألوا موسى أن يبين لهم حال القتيل، وهم كانوا يعدون القربان من أعظم القربات، وكانوا جعلوا له بيتا على حدة لا يدخله إلا خيارهم، فأمرهم الله بتقديم هذه القربة تعليما منه لكل من اعتاص عليه أمر من الأمور أن يقدم نوعا من القرب، قبل أن يسأل الله تعالى كشف ذلك عنه، ليكون أقرب إلى الإجابة. وإنما أمرهم بضرب القتيل ببعضها بعد أن جعل اختيار وقت الإحياء لهم، ليعلموا أن الله سبحانه وتعالى قادر على إحياء الأموات في كل وقت من الأوقات، والتقدير في الآية: فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه فحيي كما قال سبحانه (اضرب بعصاك البحر فانفلق) تقديره فضرب فانفلق.
وقوله: (كذلك يحيي الله الموتى) يحتمل أن يكون حكاية عن قول موسى عليه السلام لقومه أي: اعلموا بما عاينتموه أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى للجزاء، ويحتمل أن يكون خطابا من الله تعالى لمشركي قريش. والإشارة وقعت إلى قيام المقتول عند ضربه ببعض أعضاء البقرة، لأنه روي أنه قام حيا وأوداجه تشخب دما، فقال: قتلني فلان ابن عمي، ثم قبض. (ويريكم آياته) يعني المعجزات الباهرة الخارقة للعادة من إحياء ذلك الميت وغيره. وقيل: أراد الأعلام الظاهرة الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(لعلكم تعقلون) أي: لكي تستعملوا عقولكم، فإن من لم يستعمل عقله، ولم يبصر رشده، فهو كمن لا عقل له. وقيل: لكي تعقلوا ما يجب عليكم من أمور دينكم. واحتج الله تعالى بهذه الآيات على مشركي العرب فيما استبعدوه من البعث، وقيام الأموات، بقولهم: (أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا).
فأخبرهم سبحانه بأن الذي أنكروه واستبعدوه لا يتعذر (2) في اتساع قدرته. ونبههم