عبدوه من العجل، ليهون عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه، فيزول ما كان في نفوسهم من عبادته. وإنما أحيى الله القتيل بقتل حي، ليكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها. فلما علموا أن ذبح البقرة فرض من الله تعالى، سألوا عنها فبدأوا بسنها ف (قالوا ادع لنا ربك) أي: سل من أجلنا ربك (يبين لنا ما هي) ولم يظهر في السؤال أن المسؤول عنه سن البقرة، وإنما ظهر ذلك في الجواب (قال) موسى عليه السلام: (إنه يقول) أي: إن الله عز اسمه يقول (إنها بقرة لا فارض ولا بكر) أي: ليست بكبيرة هرمة ولا صغيرة.
(عوان بين ذلك) أي: هي وسط بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون، وأحسن من البقر والدواب، عن ابن عباس. وقيل: وسط، ولدت بطنا أو بطنين، عن مجاهد. (فافعلوا ما تؤمرون) أي: اذبحوا ما أمرتم بذبحه. فلما بين سبحانه سن البقرة، سألوا عن لونها (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) أي: سل ربك يبين لنا ما لون البقرة التي أمرنا بذبحها. (قال) موسى (إنه) سبحانه وتعالى (يقول إنها بقرة صفراء) حتى قرنها وظلفها أصفران، عن الحسن، وسعيد بن جبير. (فاقع لونها) أي: شديدة صفرة لونها. وقيل: خالص الصفرة. وقيل:
حسن الصفرة.
وقوله: (تسر الناظرين) أي: تعجب الناظرين وتفرحهم بحسنها عن قتادة، وغيره. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: من لبس نعلا صفراء، لم يزل مسرورا حتى يبليها كما قال الله تعالى (صفراء فاقع لونها تسر الناظرين). ولما بين سبحانه سن البقرة ولونها، سألوا عن صفتها ف (قالوا) يا موسى (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) أي: من العوامل، أم من السوائم (إن البقر تشابه علينا) أي: اشتبه علينا صفة البقرة التي أمرنا الله بذبحها (وإنا إن شاء الله لمهتدون) إلى صفة البقرة بتعريف الله إيانا، وبما يشاؤه لنا من اللطف والزيادة في البيان.
وروى ابن جريج، وقتادة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم أمروا بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم، شدد الله عليهم. وأيم الله! لو لم يستثنوا ما بينت لهم إلى آخر الأبد. (قال): يعني موسى عليه السلام (إنه) يعني الله تعالى (يقول إنها بقرة) أي: البقرة التي أمرتم بذبحها (لا ذلول تثير الأرض) أي: لم يذللها العمل بإثارة الأرض بأظلافها (ولا تسقي الحرث) أي: لا يستقى عليها الماء،