وقيل الدارأ: العوج، ومنه قول الشاعر (1):
فنكب عنهم درء الأعادي، * وداووا بالجنون من الجنون المعنى: ثم بين الله سبحانه المقصود من الأمر بالذبح، فبدأ بذكر القتل، وقال: (وإذ قتلتم نفسا) ذكر فيه وجهان أحدهما: إنه متقدم في المعنى على الآيات المتقدمة في اللفظ، فعلى هذا يكون تأويله: وإذ قتلتم نفسا (فادارأتم فيها) فسألتم موسى، فقال لكم: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، فقدم المؤخر، وأخر المقدم. ونحو ذا كثير في القرآن والشعر. قال سبحانه (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما) تقديره: أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا. وقال الشاعر:
إن الفرزدق صخرة ملمومة * طالت فليس ينالها الأوعالا أي: طالت الأوعال. والوجه الآخر: إن الآية قد تعلقت بما هو متأخر في الحقيقة وهو قوله: (فقلنا اضربوه ببعضها) الآية. فكأنه قال: فذبحوها وما كادوا يفعلون، ولأنكم قتلتم نفسا فادارأتم فيها، أمرناكم أن تضربوه ببعضها، لينكشف أمره. والمراد: واذكروا إذ قتلتم نفسا، وهذا خطاب لمن كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد به أسلافهم على عادة العرب في خطاب الأبناء والأحفاد بخطاب الأسلاف والأجداد، وخطاب العشيرة بما يكون من أحدها، فقالت: فعلت بنو تميم كذا، وإن كان الفاعل واحدا.
ويحتمل أن يكون خطابا لمن كان في زمن موسى عليه السلام وتقديره: وقلنا لهم وإذ قتلتم نفسا. وقيل: إن اسم المقتول عاميل فادارأتم فيها الهاء من (فيها) يعود إلى النفس، أي: كل واحد دفع قتل النفس عن نفسه. وقيل: إنها تعود إلى القتلة أي:
اختلفتم في القتلة، لأن قوله (قتلتم) يدل على المصدر، وعودها إلى النفس أولى وأشبه بالظاهر (والله مخرج ما كنتم تكتمون) أي: مظهر ما كنتم تسرون من القتل.
وقيل: معناه إنه مخرج من غامض أخباركم، ومطلع من معايبكم ومعايب أسلافكم على ما تكتمونه أنتم. وهو خطاب لليهود في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(فقلنا اضربوه ببعضها) أي: قلنا لهم اضربوا القتيل ببعض البقرة، واختلفوا