يتنافى. وفائدة هذا الجواب ان قلوب هؤلاء مع قساوتها، ربما لانت بعض اللين، وكادت تصغي إلى إلحق، فتكون في هذا الحال كالحجارة التي ربما لانت، وتكون في حال أخرى في نهاية البعد عن الخير، فتكون أشد من الحجارة.
وجواب آخر وهو: إن قلوبهم لا تكون أشد من الحجارة إلا بعد أن يكون فيها قسوة الحجارة، لأن قولنا: فلان أعلم من فلان، إخبار بأنه زائد عليه في العلم الذي اشتركا فيه، فلا بد من الاشتراك، ثم الزيادة. فلا تنافي هاهنا. ثم فضل (1) سبحانه الحجارة على القلب القاسي فقال: (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار) معناه: إن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم القاسية، فيتفجر منه أنهار الماء.
واستغنى بذكر الأنهار عن ذكر الماء. وقيل: المراد منه الحجر الذي كان ينفجر منه اثنتا عشرة عينا. وقيل: هو عام.
(وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء) يعني ومن الحجارة ما يخرج منه الماء، فيكون عينا نابعة، لا أنهارا جارية، حتى يكون مخالفا للأول. وقال الحسين بن علي المغربي: الحجارة الأولى حجارة الجبال منها تتفجر الأنهار.
والثانية حجر موسى عليه السلام، الذي كان يضربه فيخرج منه العيون، فلا يكون تكرارا.
وقوله: (وإن منها لما يهبط من خشية الله) الضمير في (منها) يرجع إلى الحجارة، أي: ومن الحجارة ما يهبط من خشية الله، وعليه أكثر أهل التفسير. وقيل: يرجع إلى القلوب أي: ومن القلوب ما يهبط من خشية الله أي: تخشع، وهي قلوب من آمن من أهل الكتاب، فيكونون مستثنين من القاسية قلوبهم، عن أبي مسلم.
ومن قال: إن الضمير يرجع إلى الحجارة فإنهم اختلفوا في تأويله على وجوه أحدها: ما روي عن مجاهد، وابن جريج أن كل حجر تردى من رأس جبل، فهو من خشية الله، فمعناه: إن الحجارة قد تصير إلى الحال التي ذكرها من خشية الله، وقلوب اليهود لا تخشى ولا تخشع ولا تلين، لأنهم عارفون بصدق محمد، ثم لا يؤمنون به، فقلوبهم أقسى من الحجارة وثانيها: ما قاله الزجاج: إن الله تعالى أعطى بعض الجبال المعرفة، فعقل طاعة الله نحو الجبل الذي تجلى الله، عز وجل، له، حين كلم موسى، فصار دكا (2). وكما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " إن حجرا كان يسلم علي في الجاهلية، وإني لأعرفه الآن ". وهذا الوجه ضعيف، لأن الجبل