فتستقي الزرع (مسلمة) أي بريئة من العيوب عن قتادة وعطاء. وقيل: مسلمة من الشية، ليس لها لون يخالف لونها، عن مجاهد. وقيل: سليمة من آثار العمل، لأن ما كان من العوامل لا يخلو من آثار العمل في قوائمه وبدنه. وقال الحسن: إنها كانت وحشية (لا شية فيها) قال أهل اللغة: لا وضح فيها يخالف لون جلدها.
وقيل: لا لون فيها سوى لونها، عن قتادة، ومجاهد.
(قالوا الآن جئت بالحق) أي: ظهر لنا الحق الآن، وهي بقرة فلان. وهذا يدل على أنهم جوزوا أنه قبل ذلك لم يجئ بالحق على التفصيل، وإنما أتى به على وجه الجملة. وقال قتادة: الآن بينت (1) الحق. وهذا يدل على أنه كان فيهم من يشك في أن موسى عليه السلام ما بين الحق (فذبحوها) يعني ذبحوا البقرة على ما أمروا به (وما كادوا يفعلون) أي: قرب أن لا يفعلوا ذلك مخافة اشتهار فضيحة القاتل.
وقيل: كادوا لا يفعلون ذلك، لغلاء ثمنها. فقد حكي عن ابن عباس أنهم اشتروها بملء ء جلدها ذهبا من مال المقتول. وعن السدي: بوزنها عشر مرات ذهبا. قال عكرمة: وما ثمنها إلا ثلاثة دنانير.
ونذكر هاهنا فصلا موجزا ينجذب إلى الكلام في أصول الفقه: اختلف العلماء في هذه الآيات: فمنهم من ذهب إلى أن التكليف فيها متغاير، وأنهم لما قيل لهم اذبحوا بقرة لم يكن المراد منهم إلا ذبح أي بقرة شاؤوا من غير تعيين بصفة. ولو أنهم ذبحوا أي بقرة اتفقت لهم كانوا قد امتثلوا الأمر، فلما لم يفعلوا كان المصلحة أن يشدد عليهم التكليف. ولما راجعوا المرة الثانية، تغيرت مصلحتهم إلى تكليف ثالث.
ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر: فمنهم من قال في التكليف الأخير: إنه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدمت. فعلى هذا القول يكون التكليف الثاني والثالث ضم تكليف إلى تكليف، زيادة في التشديد عليهم، لما فيه من المصلحة. ومنهم من قال: إنه يجب أن يكون بالصفة الأخيرة فقط دون ما تقدم. وعلى هذا القول يكون التكليف الثاني نسخا للأول، والتكليف الثالث نسخا للثاني. وقد يجوز نسخ الشئ قبل الفعل، لأن المصلحة تجوز أن يتغير بعد فوات وقته. وإنما لا يجوز نسخ الشئ قبل وقت الفعل، لأن ذلك يؤدي إلى البداء. وذهب آخرون إلى أن التكليف