وقوله: (فلهم أجرهم عند ربهم) إلى آخر الآية: في موضع الجزاء. وإنما رفع (ولا خوف) لتكرير (لا) كقول الشاعر:
وما صرمتك حتى قلت معلنة: * لا ناقة لي في هذا، ولا جمل (1) وهذا كأنه جواب لمن قال أناقة لك في هذا أم جمل؟ فأما النكرة المفردة ففيه الفتح لا غير نحو: لا رجل في الدار، وهو جواب: هل من رجل في الدار؟ وإنما قال (من آمن) فوحد ثم قال: (فلهم أجرهم)، فجمع، لأن من موحد اللفظ مجموع المعنى على ما تقدم بيانه.
المعنى: (إن الذين آمنوا) اختلف في هؤلاء المؤمنين من هم، فقال قوم: هم الذين آمنوا بعيسى، ثم لم يتهودوا، ولم يتنصروا، ولم يصبأوا، وانتظروا خروج محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: هم طلاب الدين منهم: حبيب النجار، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، والبراء الشني وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وبحير الراهب، ووفد النجاشي، آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه. فمنهم من أدركه وتابعه، ومنهم من لم يدركه. وقيل: هم مؤمنو الأمم الماضية. وقيل: هم المؤمنون من هذه الأمة. وقال السدي: هو سلمان الفارسي، وأصحابه النصارى، الذين كان قد تنصر على أيديهم قبل مبعث رسول الله وكانوا قد أخبروه بأنه سيبعث، وأنهم يؤمنون به إن أدركوه.
واختلفوا في قوله: (من آمن بالله واليوم الآخر) فقال قوم: هو خبر عن الذين هادوا والنصارى والصابئين، والضمير يرجع إليهم، لأن الذين آمنوا قد كانوا مؤمنين، فلا معنى أن يشرط فيهم استئناف الإيمان، فكأنه قال: إن الذين آمنوا، ومن آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله واليوم الآخر، فلهم أجرهم. وقال آخرون: من آمن منهم الضمير راجع إلى الكل، ويكون رجوعه إلى الذين آمنوا بمعنى الثبات منهم على إيمانهم، والاستقامة، وترك التبديل، وإلى الذين هادوا، والنصارى، والصابئين، بمعنى استئناف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما جاء به.
وقال بعضهم أراد من آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد الايمان بالله، وبالكتب المتقدمة، لأنه لا يتم أحدهما إلا بالآخر، ونظيره قوله: (والذين آمنوا وعملوا