الغضب، وحل بهم منه السخط. وقال قوم: الغضب هو ما حل بهم في الدنيا من البلاء والنقمة بدلا من الرخاء والنعمة. وقال آخرون: هو ما ينالهم في الآخرة من العقاب على معاصيهم.
ثم أشار إلى ما تقدم ذكره فقال: (ذلك) أي: ذلك الغضب، وضرب الذلة والمسكنة، حل بهم لأجل (أنهم كانوا يكفرون بآيات الله) أي: يجحدون حجج الله وبيناته. وقيل: أراد بآيات الله الإنجيل والقرآن، ولذلك قال فباءوا بغضب على غضب. الأول: لكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني: لكفرهم بمحمد والقرآن.
وقيل: آيات الله صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقوله: (ويقتلون النبيين بغير الحق) أي: بغير جرم كزكريا ويحيى وغيرهما. وقوله (بغير الحق) لا يدل على أنه قد يصح أن يقتل النبيون بحق، لأن هذا خرج مخرج الصفة لقتلهم، وأنه لا يكون إلا ظلما بغير حق كقوله تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) ومعناه أن ذلك لا يمكن أن يكون عليه برهان. وكقول الشاعر: (على لاحب لا يهتدى بمناره) ومعناه: ليس هناك منار يهتدى به، وفي أمثاله كثرة. وقوله: (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) ذلك إشارة إلى ما تقدم أيضا بعصيانهم في قتل الأنبياء، وعدوهم السبت. وقيل:
بنقضهم العهد واعتدائهم في قتل الأنبياء، والمراد إني فعلت بهم ما فعلت من ذلك بعصيانهم أمري، وتجاوزهم حدي إلى ما نهيتهم عنه.
سؤال: إن قيل: كيف يجوز التخلية بين الكفار، وقتل الأنبياء؟ فالجواب:
إنما جاز ذلك لتناول أنبياء الله سبحانه من رفع المنازل والدرجات، ما لا ينالونه بغير القتل، وليس ذلك بخذلان لهم، كما أن التخلية بين المؤمنين والأولياء والمطيعين، وبين قاتليهم، ليست بخذلان لهم. وقال الحسن: إن الله تعالى لم يأمر نبيا بالقتال فقتل فيه، وإنما قتل من الأنبياء من قتل في غير قتال. والصحيح أن النبي إن كان لم يؤد الشرع الذي أمر بتأديته، لم يجز أن يمكن الله سبحانه من قتله، لأنه لو مكن من ذلك لأدى إلى أن يكون المكلفون غير مزاحي العلة في التكليف، وفيما لهم من الألطاف والمصالح. فأما إذا أدى الشرع، فحينئذ يجوز أن يخلي الله بينه وبين قاتليه، ولم يجب عليه المنع من قتله. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(اختلفت بنو إسرائيل بعد موسى بخمسمائة سنة حتى كثر فيهم أولاد السبايا، واختلفوا بعد عيسى بمائتي سنة ".