فاستجبنا له، فقلنا لهم اهبطوا مصرا. وقيل: إنهم قالوا لا نصبر على الغنى بأن يكون جميعنا أغنياء، فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض، فلذلك قالوا يخرج لنا مما تنبت الأرض، ليحتاجوا فيه إلى أعوان، فيكون الفقير عونا للغني.
وقوله (قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) معناه: قال لهم موسى.
وقيل: بل قال الله لهم: أتتركون ما اختار الله لكم، وتؤثرون ما هو أدون وأردى على ذلك. وقيل: إنه أراد أتستبدلون ما تتبذلون في زراعته وصناعته بما أعطاه الله إياكم عفوا من المن والسلوى. وقيل: المراد تختارون الذي هو أقرب أي أقل قيمة، على الذي هو أكثر قيمة وألذ. واختلف في سؤالهم هذا: هل كان معصية؟ فقيل: لم يكن معصية، لأن الأول كان مباحا، فسألوا مباحا آخر. وقيل: بل كان معصية، لأنهم لم يرضوا بما اختاره الله لهم، ولذلك ذمهم على ذلك، وهو أوجه.
وقوله: (اهبطوا مصرا) اختلف فيه، فقال الحسن والربيع: أراد مصر فرعون الذي خرجوا منه. وقال أبو مسلم: أراد بيت المقدس، وروي ذلك عن ابن زيد.
وقال قتادة والسدي ومجاهد: أراد مصرا من الأمصار، يعني أن ما تسألونه إنما يكون في الأمصار، ولا يكون في المفاوز أي: إذا نزلتم مدينة ذات طول وعرض (فإن لكم) فيها (ما سألتم) من نبات الأرض. وقد تم الكلام هاهنا.
ثم استأنف حكم الذين اعتدوا في السبت، ومن قتل الأنبياء، فقال:
(وضربت عليهم الذلة والمسكنة) أي: ألزموا الذلة إلزاما لا يبرح عنهم، كما يضرب المسمار على الشئ فيلزمه. وقيل: المراد بالذلة الجزية، لقوله (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) عن الحسن، وقتادة. وقيل هو الكستيج (1) وزي اليهود عن عطا. وقوله: (والمسكنة) يعني زي الفقر. فترى المثري منهم يتباءس مخافة أن يضاعف عليه الجزية. وقال قوم: هذه الآية تدل على فضل الغنى، لأنه ذمهم على الفقر، وليس ذلك بالوجه، لأن المراد به فقر القلب، لأنه قد يكون في اليهود مياسير، ولا يوجد يهودي غني النفس. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الغنى غنى النفس) وقال ابن زيد: أبدل الله اليهود بالعز ذلا، وبالنعمة بؤسا وبالرضا عنهم غضبا، جزاء لهم بما كفروا بآياته، وقتلوا أنبياءه ورسله اعتداء وظلما. (وباءوا بغضب من الله) أي: رجعوا منصرفين متحملين غضب الله، قد وجب عليهم من الله