الأرض. ونون جميع القراء (مصرا) لأنه أراد مصرا من الأمصار بغير تعيين، لأنهم كانوا في تيه. ويجوز أن يكون المراد مصر بعينها البلدة المعروفة، وصرفه لأنه مذكر.
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ بغير ألف، ويجوز أن يكون المراد مصر هذه بعينها، كما قال: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) وإنما لم يصرفه، لأنه اسم المدينة، فهو مذكر سمي به مؤنث، ويمكن أن يكون إنما نونه من نونه اتباعا للمصحف، لأنه مكتوب في المصحف بألف. وقوله: (ذلك بأنهم كانوا يكفرون) قال الزجاج معناه، والله أعلم: الغضب حل بهم بكفرهم.
وأقول في بيانه: إن ذلك إشارة إلى الغضب في قوله (وباؤوا بغضب) فهو في موضع الرفع بالابتداء، وأن مع صلته من الاسم والخبر في موضع جر بالباء، والجار يتعلق بخبر المبتدأ، وهي جملة من الفعل والفاعل، حذفت لدلالة ما يتصل بها عليها. وكذلك قوله (ذلك بما عصوا) فإن ما مع صلته في تأويل المصدر.
المعنى: لما عدد سبحانه فيما قبل، ما أسداه إليهم من النعم والإحسان، ذكر ما قابلوا به تلك النعم من الكفران، وسوء الاختيار لنفوسهم بالعصيان، فقال: (وإذ قلتم) أي: قال أسلافكم من بني إسرائيل: (يا موسى لن نصبر على طعام واحد) أي: لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد، وإنما قال (على طعام واحد) وإن كان طعامهم المن والسلوى، وهما شيئان، لأنه أراد به أن طعامهم في كل يوم واحد أي: يأكلون في اليوم ما كانوا يأكلونه في الأمس، كما يقال إن طعام فلان في كل يوم واحد، وإن كان يأكل ألوانا إذا حبس نفسه على ألوان من الطعام لا يعدوها إلى غيرها. وقيل: إنه كان ينزل عليهم المن وحده، فملوه فقالوا ذلك، فأنزل عليهم السلوى من بعد ذلك. وقوله: (فادع لنا ربك) أي: فاسأل ربك وادعه لأجلنا. (يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) أي: مما تنبته الأرض من البقل، والقثاء، ومما سماه الله مع ذلك.
وكان سبب مسألتهم ذلك ما رواه قتادة قال: كان القوم في البرية فد ظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، فملوا ذلك، وذكروا عيشا كان لهم بمصر، فسألوا موسى فقال الله: (اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم) وتقديره فدعا موسى