بأن أحضر تلك الأشياء، وعلمه أسماءها في كل لغة، وأنه لأي شئ يصلح، وأي نفع فيه، وأي ضرر.
وقوله " ثم عرضهم على الملائكة " روي عن ابن عباس أنه قال: عرض الخلق. وعن مجاهد قال: عرض أصحاب الأسماء. وعلى هذا فيكون معناه: ثم عرض المسميات على الملائكة، وفيهم من يعقل، وفيهم من لا يعقل، فقال:
عرضهم غلب العقلاء، فأجرى على الجميع كناية من يعقل، كقوله: (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) أجرى عليهم كناية من يعقل. وفي قراءة أبي: " ثم عرضها " وفي قراءة ابن مسعود: " ثم عرضهن " وعلى هاتين القراءتين يصلح أن يكون عبارة عن الأسماء دون المسميات.
واختلف في كيفية العرض على الملائكة فقيل: إنما عرضها على الملائكة بأن خلق معاني الأسماء التي علمها آدم حتى شاهدتها الملائكة. وقيل: صور في قلوبهم هذه الأشياء فصارت كأنهم شاهدوها. وقيل: عرض عليهم من كل جنس واحد، وأراد بذلك تعجيزهم، فإن الانسان إذا قيل له: ما اسم شئ صفته كذا وكذا؟ فلم يعلم، كان أبلغ عذرا ممن عرض عليه شئ بعينه، وسئل عن اسمه فلم يعرفه.
وبين بذلك أن آدم عليه السلام، أصلح لكدخدائية الأرض، وعمارتها، لاهتدائه إلى ما لا تهتدي الملائكة إليه من الصناعات المختلفة، وحرث الأرض وزراعتها، وانباط الماء (1)، واستخراج الجواهر من المعادن وقعر البحار، بلطائف الحكمة. وهذا يقوي قول من قال: إنه علمه خواص الأشياء وأراد به أنكم إذا عجزتم عن معرفة هذه الأشياء، مع مشاهدتكم لها، فأنتم عن معرفة الأمور المغيبة عنكم أعجز.
(فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين): إن سئل فقيل: ما الذي ادعت الملائكة حتى خوطبوا بهذا؟ وكيف أمرهم الله سبحانه أن يخبروا بما لا يعلمون؟ فالجواب: إن للعلماء فيه وجوها من الكلام: أحدها: إن الله تعالى لما أخبر الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة، هجس (2) في نفوسها أنه إن كان الخليفة منهم بدلا من آدم وذريته، لم يكن في الأرض فساد، ولا سفك دم، كما يكون في