تعالى: (إلا إبليس كان من الجن).
وروى مجاهد، وطاووس عنه أيضا أنه قال: كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن، ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا، ولا أكثر علما منه، فلما تكبر على الله، وأبى السجود لآدم وعصاه، لعنه وجعله شيطانا وسماه إبليس. وأما قوله تعالى: (وكان من الكافرين) قيل معناه: كان كافرا في الأصل.
وهذا القول يوافق مذهبنا في الموافاة. وقيل: أراد كان في علم الله تعالى من الكافرين. وقيل معناه: صار من الكافرين، كقوله تعالى: (فكان من المغرقين).
واستدل بعضهم بهذه الآية على أن أفعال الجوارح من الإيمان، فقال: لو لم يكن كذلك، لوجب أن يكون إبليس مؤمنا بما معه من المعرفة بالله تعالى، وإن فسق بإبائه. وهذا ضعيف لأنا إذا علمنا كفره بالإجماع، علمنا أنه لم يكن معه إيمان أصلا، كما أنا إذا رأينا من يسجد للصنم، علمنا أنه كافر، وإن كان نفس السجود ليس بكفر.
واختلفوا في صفة أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود فقيل: كان بخطاب من الله تعالى للملائكة ولإبليس. وقيل: بوحي من الله إلى من بعثه إليهم من رسله، لأن كلام الرسول كلام المرسل. وقيل: إن الله تعالى أظهر فعلا دلهم به على أنه أمرهم بالسجود.
فإن قيل: لم حكم الله بكفره، مع أن من ترك السجود الآن لا يكفر؟ قلنا:
لأنه جمع إلى ترك السجود خصالا من الكفر منها أنه اعتقد أن الله تعالى أمره بالقبيح، ولم ير أمره بالسجود حكمة. ومنها أنه امتنع من السجود تكبرا وردا على الله تعالى أمره، ومن تركه الآن كذلك يكفر أيضا. ومنها أنه استخف بنبي الله وازدراه (1)، وهذا لا يصدر إلا من معتقد الكفر. وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب الجبر من وجوه منها: قوله (أبى) فدل على قدرته على السجود الذي أباه وتركه، وإلا لم يصح وصفه بالإباء. ومنها قوله (فسجدوا) فدل على أن السجود فعلهم. ومنها أنه مدح الملائكة بالسجود، وذم إبليس بترك السجود، وعندهم إنما لم يسجد لأنه لم يخلق فيه السجود، ولا القدرة الموجبة له.