(أتجعل فيها من يفسد فيها) روي ذلك عن الحسن، والأول أقوى، لأنه أعم.
ومما يسأل في هذه الآية أن يقال: ما وجه ذكره تعالى لهم الأسرار من علم الغيب؟ والجواب: إنه على معنى الجواب فيما سألوا عنه من خلق من يفسد، ويسفك الدماء على وجه التعريض، دون التصريح، لأنه لو صرح بذلك لقال:
خلقت من يفسد ويسفك الدماء لما أعلم في ذلك من المصلحة لعبادي، فيما كلفتهم إياه، فدل سبحانه الإحالة في الجواب على العلم بباطن الأمور وظاهرها، أنه خلقهم لأجل علمه بالمصلحة في ذلك، ودلهم بذلك على أن عليهم الرضا بأمر الله، والتسليم لقضاء الله، لأنه يعلم من الغيب ما لا يعلمونه، ويعلم من مصالحهم في دينهم ودنياهم ما لا يطلعون عليه.
فإن قيل: فأي شئ في تعليم الله تعالى آدم الأسماء كلها مما يدل على علمه بالغيب؟ فالجواب: قيل إنه تعالى علمه الأسماء كلها بما فيها من المعاني التي تدل عليها على جهة فتق لسانه بذلك، وإلهامه إياها، فهي معجزة أقامها الله تعالى للملائكة تدل على نبوته، وجلالة قدره، وارتفاع شأنه، بما اختصه الله به من العلم الذي لا يوصل إليه إلا بتعليم الله، عز وجل، ودلهم على ذلك بأن قررهم أولا فأقروا بأن لا علم لهم به، ثم أظهر لهم أن آدم يعلمه بتعليم الله إياه، فبان بذلك الإعجاز بالاطلاع على ما لا سبيل إلى علمه إلا من علام الغيوب. وفيه (1) من المعجزة أنه فتق لسانه على خلاف مجرى العادة، وأنه علمه من لطائف الحكمة ما لا تعلمه الملائكة، مع كثرة علومها، وأنها أعرف الخلق بربها، فعرفوا ما دلهم على علم الغيب بالمعجزة، مؤكدا لما يعلمونه من ذلك بالأدلة العقلية، ولذلك نبههم فقال: (ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض) أي: قد دللتكم على ذلك قبل، وهذه دلالة بعد.
وقد افتتح الله تعالى الدلالة على الإعجاز بالكلام في آدم، ثم ختم به في محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال السيد الأجل المرتضى، قدس الله روحه: وفي هذه الآية سؤال لم أجد أحدا من مفسري القرآن تعرض له، وذلك أن يقال: من أين علمت الملائكة صحة قول آدم، ومطابقة الأسماء المسميات، وهي لم تكن عالمة بذلك من قبل،