" الملوك والأخبار الماضية " وأن وهب بن منبه والزهري وموسى بن عقبة كتبوا في ذلك أيضا كتبا، ولكن ذلك لم يقنع الباحثين في تاريخ العلوم وتصنيفها أن يعتبروا عصر بني أمية عصر تصنيف، إذ لم تتم فيه كتب جامعة حافلة مبوبة مفصلة وإنما كان كل ذلك مجموعات تدون حسب ورودها واتفاق روايتها ا ه (1).
وقال الغزالي في الإحياء: بل الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شئ منهما في زمن الصحابة وصدر التابعين وإنما حدث بعد سنة 120 ه وبعد وفاة جميع الصحابة وجلة التابعين رضي الله عنهم، وبعد وفاة سعيد بن المسيب (توفي سنة 105 ه) والحسن (توفي سنة 110 ه) وخيار التابعين، بل كان الأولون يكرهون كتب الحديث، وتصنيف الكتب، لئلا يشتغل الناس بها عن الحفظ وعن القرآن وعن التدبر والتذكر، وقالوا: احفظوا كما كنا نحفظ... (2) والذي يخلص من ذلك كله أن أول تدوين الحديث قد نشأ في أواخر عهد بني أمية وكان على طريقة غير مرتبة من صحف متفرقة تلف وتدرج بغير أن تقسم على أبواب وفصول، ولعل هذا التدوين كان يجري على نمط ما كان يدرس في مجالس العلم في زمنهم - إذ كانت غير مخصصة لعلم من العلوم، وإنما كان المجلس الواحد يشتمل على علوم متعددة، قال عطاء (3) ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس، ولا أكثر فقها ولا أعظم هيبة، أصحاب القرآن يسألونه وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر يسألونه، فكلهم يصدر من واد فسيح، وقال عمر بن دينار: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلسه (ابن عباس) الحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والشعر. وهذا هو الطور الأول من التدوين ولم يصل إلينا منه أي كتاب.