كانت الأمة تتلقاها بالرضا والتسليم، كما تلقت من قبلها آيات القرآن الحكيم، ويأخذها الخلف عن السلف بألفاظها ومعانيها ولا يخالف أحد من المسلمين وغير المسلمين فيها، ثم تسير الأمة على نورها وتهتدي بهديها، من غير تمذهب ولا تفرق كما هو الأصل في الدين الذي يقول كتابه " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا - إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ "، ولكن الناس هم الناس في كل عصر، والبشر لهم طباع لا تتغير، وغرائز لا تتبدل، وأهواء لا تتحول، وما كان الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم من التابعين بدعا من الناس ولا هم بالمعصومين (1)، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وبحسبك أن تعرف أنه ما كاد الرسول صلوات الله عليه ينتقل إلى الرفيق الأعلى، حتى ذر قرن الخلاف بين أصحابه حتى قبل دفن جثمانه الطاهر ثم ارتد كثير ممن صحب النبي، ولولا حزم أبي بكر وصرامة عمر ومن عاونهما من خيار الصحابة وصالحيهم لاندك صرح الإسلام وهو في المهد.
ومن أجل ذلك كان كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعلي لا يصدقون من يروي لهم من الصحابة - حتى من كبارهم - حديثا إلا إذا جاء بشهيد يشهد معه أنه قد سمعه من النبي، أو يحلف أنه تلقاه عنه، ولو كانوا كلهم مبرئين من الخطأ والكذب كما قالوا عنهم لقبلت رواية كل من يروي منهم في عهد هؤلاء الخلفاء الكبار، والدين في عنفوانه والأعلام ظاهرة - بغير شاهد أو يمين، وبخاصة أنهم كانوا هم الناس الذين تلقوا الدين مشافهة عن نبيهم - ولا يزال نور النبوة يشرق في قلوبهم.
إن الذي يريد أن يدرس تاريخ الإسلام على حقه إنما يجب عليه أن يحيط علما بما كان عليه العرب قبل الإسلام عامة وبخاصة بين بني هاشم وبين بني أمية في الجاهلية (2) ثم في الإسلام. وبما شجر بين الصحابة منذ عهد عثمان والحروب التي وقعت بين علي رضي الله عنه وبين معاوية، وجنودهما أكثرهم من الصحابة، وما كان