الفروعية (1) ا ه.
وإليك كلمات قيمة في رواية الحديث نستوفي بها هذا الفصل المهم من كتابنا:
قال الخطابي: ولا يبدل لفظ بأظهر منه، إذ الشارع ربما قصد باللفظ الجلي تارة، وبالخفي أخرى، وكذا بالعكس.
وقال ابن حزم: وحكم الخبر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يورد بنص لفظه، لا يبدل ولا يغير إلا في حال واحدة - وهي أن يكون المرء قد تثبت فيه، وعرف معناه يقينا، فيسأل فيفتى بمعناه وموجبه فيقول: حكم رسول الله بكذا، وأباح عليه السلام كذا، ونهى عن كذا، وحرم كذا، والواجب في هذه القضية ما صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو كذا، وكذلك القول فيما جاء من الحكم في القرآن ولا فرق، وجائز أن يخبر المرء بموجب الآية: ويحكيها بغير لفظها - وهذا ما لا خلاف فيه من أحد في أن ذلك مباح، وأما من حدث وأسند القول إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فلا يحل له إلا تحري الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفا مكان آخر، وإن كان معناهما واحدا، ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر - وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها ولا فرق. وبرهان ذلك، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) علم البراء بن عازب دعاء وفيه " ونبيك " الذي أرسلت، فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على النبي قال وبرسولك الذي أرسلت، فقال النبي: " لا. ونبيك الذي أرسلت " (2) فأمره (صلى الله عليه وسلم) أن لا يضع لفظة " رسول " - في موضع لفظة " نبي " وذلك حتى لا يحيل معنى، وهو عليه السلام رسول دين، فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا إنه عليه السلام كان يجيز أن يوضع في القرآن مكان عزيز حكيم، غفور رحيم، أو سميع عليم، وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنا، والله يقول مخبرا عن نبيه: " ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي "، ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى (3).