مشارق الشموس (ط.ق) - المحقق الخوانساري - ج ١ - الصفحة ٩٣
سابقا أنه لا بد في الوضوء من تصوره ممتازا عما عداه وأن يكون الغرض منه امتثال أمر الله وطلب مرضاته فإذا تصورنا الوضوء بالوجه الممتاز وتصورنا أيضا النفع الحاصل منه من الامتثال وقربه تعالى وانبعث من ذلك إرادة محركة للأعضاء فعلى المقدمة السابقة إنما يصدق على ذلك الوضوء في العرف أنه صادر بالإرادة لغرض الامتثال والقربة وإن ذهلنا في أثنائه عن تصوره والغرض منه ما لم يحدث في الأثناء إرادة محركة للأعضاء للاتيان ببعض أفعاله ناشية من غرض آخر فيلزم أن يكون ذلك الوضوء صحيحا مخرجا عن العهدة لما علمت من عدم لزوم شئ آخر على المكلف سواه فظهر بما ذكرنا إن القدر الواجب إنما هو عدم إرادة مخالفة للإرادة الأولى فيجب أن تفسر الاستدامة الحكمية به واعلم أنه على هذا يرد إشكال على قولهم بوجوب مقارنة النية لأول الوضوء إذ كما يجوز صدور الفعل بالإرادة لغرض منع الذهول في أثنائه عن تصور الفعل والغرض مفصلا فكذلك يمكن صدوره أيضا بالإرادة لغرض منع الذهول عنهما مفصلا في ابتداء الفعل أيضا إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق عليه وصار ذلك باعثا على صدور الفعل في هذا الزمان والضرورة حاكمة أيضا بوقوع هذا الغرض عند ملاحظة حال الافعال فحينئذ يجوز أن يصدر الوضوء لغرض الامتثال والقربة باعتبار تصوره وتصور ذلك الغرض في الزمان السابق فيلزم أن يكون ذلك الوضوء أيضا صحيحا لما عرفت من عدم لزوم شئ على المكلف زايدا على هذا المعنى فيبطل القول المذكور اللهم إلا أن يتمسكوا بالاجماع على وجوب المقارنة لكن الظاهران إثبات الاجماع مشكل إذ لم ينقل من القدماء شئ في أمر النية وثبوت الاجماع من المتأخرين بحيث يظن دخول المعصوم (عليه السلام) فيه مما لا سبيل إليه مع أن المصنف (ره) في الذكرى نقل عن الجعفي أنه قال لا عمل إلا بنية ولا بأس أن تقدمت النية العمل أو كانت معه لكن الأولى الاخذ بما هو المشهور والوقوف عليه احتياطا للدين وبهذا ظهر أيضا وجه ما اخترناه من جواز تقديم النية عند غسل اليدين لان ما يمكن أن يتمسك به على عدم جواز التقديم على الوضوء أما الاجماع أو الشهرة وهما مفقودان في هذا التقديم هذا والقوم إنما ذكروا في تفسير الاستدامة الحكمية معنيين أحدهما ما ذكرنا وهو المذكور في المبسوط والمعتبر والمنتهى واستدل عليه في المعتبر والمنتهى بأن استدامة النية فعلا مما يتعسر أو يتعذر في الأكثر فاقتصر على استدامة الحكم مراعاة لليسر واستحب في المنتهى الاستدامة الفعلية ليقع جميع الأفعال مقترنة بالنية و الأولى في الاستدلال على الاكتفاء بالاستدامة الحكمية ما ذكرناه لان هذا الدليل ربما يعترض عليه بأن عدم إمكان الاستدامة الفعلية لا يستلزم الاكتفاء بالحكمية بل يجب مراعاة الفعلية مهما أمكن فلما لم يمكن سقط وأما عدم مراعاتها بالكلية فلا إلا بدليل وأيضا لا وجه لقولهم إن الاستدامة الفعلية لما لم يمكن اقتصر على الحكمية لان هذا إنما يحسن إذا دل دليل على وجوب الاستدامة الفعلية ولا دليل عليه وما استدلوا به على وجوب النية من قوله (عليه السلام) إنما الأعمال بالنيات ونحوه مما تقدم لا يدل على وجوب الاستدامة الفعلية أصلا كما لا يخفى وثانيهما البقاء على حكم النية والعزم على مقتضاها وهذا هو الذي اختاره المصنف في الذكرى واستدل عليه أيضا بالدليل المذكور آنفا ويرد عليه أيضا الايراد إن المذكور إن أورد أيضا على المعنى الثاني أنه بعينه الاستدامة الفعلية التي نفاها المصنف (ره) بل نفس النية إذ هي عبارة عن العزم المخصوص ويمكن أن يجاب بالفرق بينهما بالاجمال والتفصيل فإن الاستدامة الفعلية هي أن يستحضر النية مفصلة كما هي في الابتداء إلى آخر الفعل والحكمية بهذا المعنى أن يستحضر مجملة وأورد أيضا إن ذلك مقتض لبطلان عبادة الذاهل عن العزم المذكور في أثناء العبادة وهو باطل قطعا ويمكن أن يقال أيضا أن المراد كما عرفت من العزم على مقتضى النية استحضارها وحصولها في النفس مجملة ولا نسلم انه مما ينتفي ما لم يحدث نية وإرادة أخرى منافية للأولى والحاصل إن المعنيين متلازمان لكن القايل بالمعنى الثاني كالمصنف (ره) كأنه زعم أن بعد ما حصل الغفلة عن تصور الفعل والغرض منه تفصيلا فكأنما يبقى في النفس أمرا إجمالي من التفصيل السابق هو المحرك والباعث للفعل إلى أن ينتهي الحركة وإن لم يكن لنا شعور به كما في اللعب باللحية أو نحوه فإن له سببا البتة مع عدم علمنا به ولا يخفى أنه لا دليل على بطلان ما زعمه بل لا يبعد ادعاء الظهور في أن الامر كذلك ثم إن المصنف (ره) ذكر إن بناء التفسيرين على أن الباقي مستغن عن المؤثر أم لا فالتفسير الأول بناء على الأول والثاني على الثاني والظاهر أن مراده (ره) بالباقي ها هنا الوضوء وبالمؤثر النية فيكون حاصل كلامه إن الباقي إن لم يكن محتاجا إلى المؤثر فالوضوء بعد حدوثه بالنية لا يحتاج في بقائه إلى بقاء النية فيكون باقيا إلى وقت حدوث مؤثر آخر بنية أخرى بدون بقاء النية الأولى فعلى هذا تفسير الاستدامة الحكمية بأن لا ينوى نيه مخالفة للأولى إذ على هذا لا جزم ببقاء النية الأولى حتى يفسر الاستدامة به وإن كان محتاجا إلى المؤثر فحينئذ فالجزم ببقاء النية الأولى حاصل فلذا يفسر الاستدامة به واعترض عليه صاحب المدارك بأن هذا البناء غير مستقيم لان أسباب الشرع علامات ومعرفات لا علل حقيقية فيمكن القول بعدم الاستغناء عن المؤثر مع عدم اشتراط الاستدامة فضلا عن الحكمية وأنت خبير بما قدمنا إن النية ليست من الأسباب الشرعية للوضوء حتى يقال أنها من قبيل العلامات والمعرفات بل من الأسباب العقلية فاندفع ما أورده نعم يرد على المصنف أنه خلط الحدوث التدريجي بالبقاء وكأنه لاطلاق البقاء على الحدوث التدريجي أيضا في العرف لكنه ليس المعنى الذي في معرض النزاع فزعم أن بعد حدوث النية يحدث الوضوء ويبقى إلى الاخر وليس كذلك بل إنما يحدث
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ترجمة المصنف (قدس) 2
2 ترجمة الشارح (قدس) 3
3 كتاب الطهارة معنى الطهارة لغة 5
4 اشتراط النية في الطهارة 5
5 في وجوب الوضوء 5
6 بيان وجوب الوضوء لمس خط القرآن 11
7 وجوب غسل الجنابة للصلاة 15
8 في وجوب التيمم للصلاة 16
9 في بيان وجوب الطهارات لنفسها أو لغيرها 26
10 حكم امكان التوضؤ والغسل والتيمم قبل الوقت وعدم امكانه بعد الوقت 32
11 استحباب الوضوء للصلوات المندوبة 33
12 تنبيه في التسامح في أدلة السنن 34
13 استحباب غسل الجمعة 39
14 وقت غسل الجمعة 41
15 الأغسال المستحبة في شهر رمضان 43
16 استحباب غسل العيدين 44
17 في الأغسال المستحبة 44
18 في رافعية الغسل المندوب للحدث 47
19 في استحباب التيمم بدل الوضوء المستحب 50
20 موجبات الوضوء 51
21 موجبات الغسل 61
22 في وجوب الوضوء مع الأغسال الواجبة الا الجنابة 69
23 وجوب ستر العورة عن الناظر 70
24 حرمة استقبال القبلة واستدبارها 70
25 في المسح بالحجر 75
26 مستحبات التخلي 78
27 فيما يستحب حال التخلي 78
28 ما يستحب عند الاستنجاء 79
29 في كيفية الخرطات التسع 80
30 المكروهات في حال التخلي 81
31 في عدم اشتراط الاستنجاء في صحة الوضوء 86
32 في وجوب النية المشتملة على القربة عند الوضوء 88
33 في حكم المبطون والسلس والمستحاضة 91
34 في اشتراط قصد الإطاعة وعدمه 91
35 فيما لو نوى رفع حدث واستباحة صلاة بعينها 94
36 عدم صحة الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر 98
37 في بطلان لو نوى لكل عضو نية تامة 98
38 حكم البالغ في الوقت 100
39 في حد غسل الوجه 100
40 غسل الاذنين ومسحهما بدعة 107
41 في حد غسل اليدين 108
42 عند افتقار الطهارة إلى معين بأجرة 112
43 في حد مسح الرأس 112
44 في كراهة مسح جميع الرأس 118
45 وجوب مسح الرجلين 118
46 في عدم جواز المسح على حائل من خف وغيره الا لتقية أو ضرورة 125
47 في اشتراط الموالاة 127
48 سنن الوضوء 131
49 فيما لو شك في عدد الغسلات السابقة بنى على الأقل 138
50 فيما لو شك في الحدث والطهارة بنى على المتيقن 141
51 في تعدد الوضوء ولا يعلم محل المتروك 145
52 في زوال العذر في الوضوء 153
53 حصول الجنابة بانزال المني 156
54 حصول الجنابة بمواراة الحشفة أو قدرها من المقطوع 160
55 حكم من لو وجد المني على ثوبه 162
56 فيما يحرم في حال الجنابة 164
57 في كيفية الغسل 168
58 في مستحبات الغسل 176
59 هل يكفى المسح كالدهن أم تجب الإفاضة 177
60 حكم ما لو أحدث في أثناء الغسل 179
61 درس: في الماء المطلق في اختلاط الماء الطاهر بالنجس وهي أربعة أقسام باعتبار اختلاف احكامها 185
62 أولا: الراكد دون الكر 185
63 ثانيا: في الماء الراكد الكثير 196
64 وثالثا: في الماء الجاري نابعا 205
65 في حكم ماء الغيث النازل كالنابع 211
66 رابعا: ماء البئر 215
67 في كيفية طهارة ماء البئر إذا وقع فيه شئ 220
68 فيما لو تغير ماء البئر 238
69 فيما لو اتصل ماء البئر بماء جارى طهرت 241
70 فيما إذا غارت البئر ثم عادت 244
71 في استحباب تباعد البئر عن البالوعة 246
72 في طهورية الماء المستعمل في الوضوء 247
73 طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء 252
74 في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسات 254
75 الماء المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا 259
76 في طهارة الخمر بالخلية والمرق المتنجس بقليل الدم بالغليان 262
77 فيما لو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما 264
78 كراهة سؤر الجلال وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة 268
79 في سؤر غير مأكول اللحم 270
80 حرمة استعمال الماء النجس والمشتبه به في الطهارة 281
81 فيما إذا صلى بالمشتبه أعاد الصلاة في الوقت وخارجه 288
82 لا يشترط في التيمم عند اشتباه الانية اهراقها 292
83 حكم النجاسات وهي عشر البول والغائط 293
84 المني والدم من ذي النفس السائلة 301
85 الميتة من ذي النفس السائلة 309
86 الكلب والخنزير ولعابهما 321
87 المسكرات 326
88 تذنيب في استدلال العلامة على طهارة الخمر وجوابه 333
89 في حكم الفقاع 336