عندها وحكم في المنتهى باستحباب التقديم ليشمل النية أفعال الوضوء الواجبة والمندوبة وجوز ابن إدريس التقديم عند غسل اليدين في الغسل دون الوضوء وجوز في الوضوء التقديم عند المضمضة والاستنشاق معللا بأنهما من جملة العبادة وكأنه جعل غسل اليدين مستحبا خارجا لا من جملة أفعال الوضوء وليس ببعيد لكن جعله في الغسل داخلا دون الوضوء بعيد ومنع ابن طاوس (ره) في البشرى التقديم مطلقا سواء كان عند غسل اليدين أو المضمضة والاستنشاق نظرا إلى أن مسمى الوضوء الحقيقي غيرهما ونقلوا الاجماع على عدم جواز تقديمها عند غيرها من المسنونات كالسواك و التسمية والظاهر ما ذهب إليه الأكثر كما سيظهر عن قريب إنشاء الله تعالى ولما لم يذكر المصنف فيما بعد غسل اليدين في مستحبات الوضوء فلا بأس أن نورد ها هنا بيان استحبابه وشرايطه أما الاستحباب فيستدل عليه بما رواه التهذيب في باب آداب الاحداث في الصحيح ظاهرا عن عبيد الله الحلبي قال سئلته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل إدخالها في الاناء قال واحدة من حدث البول واثنتان من الغايط وثلاث من الجنابة وما رواه أيضا في هذا الباب في الحسن عن حريز عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يغسل الرجل يده من النوم مرة ومن الغايط والبول مرتين ومن الجنابة ثلاثا وما رواه أيضا في الموثق عن عبد الكريم بن عتبة الكوفي الهاشمي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شئ يدخلها في وضوءه قبل أن يغسلها قال لا حتى يغسلها قلت فإنه استيقظ من نومه ولم يبل أيدخل يده في وضوءه قبل أن يغسلها قال لا لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها فإن قلت ما وجه حمل هذه الرواية على الاستحباب دون الوجوب قلت للجمع بينها وبين ما رواه التهذيب أيضا في هذا الباب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته عن الرجل يبول ولم تمس يده اليمنى شيئا يغمسها في الماء قال نعم وإن كان جنبا وهذا وإن كان مختصا بالبول لكن الغايط والنوم أيضا الظاهر أن حكمهما حكم البول لاقترانهما به في الروايات وكذا بينها وبين ما روي أنه (عليه السلام) عند بيان الوضوء غمس كفه في الماء من غير غسل وقال هكذا إذا كانت الكف طاهرة وسيجئ الرواية إنشاء الله تعالى ويؤيد الاستحباب أيضا آية الوضوء حيث لم يذكر فيها غسل اليد وكذا الاختلاف الواقع في الروايات في الغسل للبول هذا كله مع أن الأصل براءة الذمة من الوجوب ولا يذهب عليك إن استنباط غسل اليد اليسرى من الروايات مشكل لكن الشهرة بين الأصحاب كأنها يكفي في الحكم بالاستحباب وأما الشرايط فذكروا للاستحباب شرطين الأول أن يكون الوضوء من حدث النوم أو البول أو الغايط لا الريح ووجهه ظاهر مما ذكرنا الثاني أن يكون من ماء قليل في إناء يمكن الاغتراف منه فلو توضأ من نهر أو مصنع؟ أو إناء لا يمكن الاغتراف منه لم يستحب الغسل ووجهه غير ظاهر لان الرواية الأولى وإن كانت مختصة بالاناء لكن الأخيرتين مطلقتان وكون علة الغسل توهم التنجيس غير ظاهر بل لو كان علته أيضا ذلك لكان هذا التوهم غير منحصر في تنجيس الماء بل جار في تنجيس الأعضاء وعدم صحة الوضوء معه وأيضا على تقدير التسليم لكان ينبغي أن يخص بالقليل فقط لا بكونه في إناء أيضا ثم أنه لو غسل اليد بعد هذه الاحداث بدون إرادة الوضوء فهل يستحب الغسل ثانيا عند إرادته أم لا لم أقف فيه على نص من الأصحاب والرواية الأخيرة نظرا إلى التعليل الواقع فيها تدل على عدم الاستحباب ثانيا بعد النوم وكذا ظاهرها في البول أيضا كما لا يخفى والرواية الثانية الامر فيها مطلق فيحصل امتثاله بالغسل قبل إرادة الوضوء أيضا كما هو الظاهر نعم الرواية الأولى كأنها ظاهرة في الاستحباب (ولو وجب غسل اليدين لنجاسة أو استحب لا للوضوء أو أبيح فلا نية عنده) ووجهه أنه ليس حينئذ من جملة إفعال الوضوء فلا يجوز مقارنة النية به والاستحباب لا للوضوء مثل الاستحباب للاكل والإباحة كالغسل بعد الريح أو عند الوضوء من النهر على القول بعدم الاستحباب حينئذ وكذا لو كان مكروها كما لو قصر الماء بسببه عن الغسلات المستحبة أو حراما كما لو قصر بسببه عن الغسلات الواجبة بطريق الأولى وقال المصنف (ره) في الذكرى وفي جوازها عند الواجب كإزالة النجاسة المعلومة وجه لأنه أولى من الندب بالمراعاة والأقرب المنع لأنه لا يعد من أفعال الوضوء انتهى وأيد الشهيد الثاني (ره) الوجه بما ورد من التعليل في النائم فإنه لا يدري أين باتت يده فإنه يقتضي أنه لرفع نجاسة موهومة فالمحققة أولى هذا واعلم إن استفاده أن هذا الغسل من جملة إفعال الوضوء من الروايات مشكل جدا فلو كان بناء جواز تقديم النية عليه لكان الظاهر عدم الجواز لكنا سنذكر إنشاء الله تعالى وجها آخر للجواز ولذا اخترنا المذهب المشهور (واستدامة حكمها) إلى آخره نذكر أولا ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب ثم نشتغل بذكر كلام القوم اعلم إن الحركات الصادرة عنا بالاختيار إنما يصدر بعد تصور الفعل والغاية والضرورة قاضية بأن كثيرا ما نغفل في أثناء الحركة عنهما ومع ذلك يصدر تلك الحركة ولا حاجة لنا ها هنا إلى بيان كيفية الصدور وأنه كيف يصدر الامر الغير القار عن الامر الثابت لان موضعه في الحكمة ولا مدخل لتحقيقه في هذا المقام وظاهر أيضا أن الحركة التي يصدر بعد حصول الشوق والإرادة المسماة بالاجماع الناشئين من تصور النفع والغرض لتلك الحركة إنما يطلق عليها في العرف أنها صادرة بالإرادة لتلك الغرض والنفع وإن ذهل المتحرك في أثنائها عن تصور الفعل والنفع لكن يكون بحيث لو رجع إلى نفسه لاستشعر به ما لم تحدث له إرادة أخرى لاصدار تلك الحركة ناشية من تصور نفع وغرض آخر وإذا تمهد هذا فنقول غاية ما ثبت
(٩٢)