الواجب والندب ولا يصار إلى أحدهما لامتناع الترجيح من غير مرجح وهذا التوجيه هو ظاهر كلام المستدل حيث قال ولا يتحقق ذلك الوجه انتهى فاندفع النظر قلت هذا بعينه هو الوجه الثاني ويندفع بما ندفعه به وبما قررنا من إمكان ارجاع الوجه الأول إلى الثاني بل أن الظاهر منه هو هذا أظهر ما في كلام الشهيد الثاني (ره) في شرحه للارشاد حيث ضعف الوجه الأول وحكم بعدم صلاحية للدلالة وتأسيس حكم شرعي حتى قال إنه قيل كلام شعري ومع هذا اعترف بتمامية الوجه الثاني في غير الوضوء إلا أن يكون إيراد على من ذكر الوجهين معا كابن إدريس في السرائر إذ حينئذ لا يمكن إرجاع أحدهما إلى الاخر فتأمل وأما الثاني فلانه إن أريد به أن الأوامر لما كانت إيجابية أو ندبية فالفعل الذي يفعل المكلف لو لم يقصد أنه واجب أو ندب لم يتعين لكونه امتثالا لأمر إذ صرفه إلى أحدهما دون الاخر ترجيح من غير مرجح ففيه إنا لا نسلم انه لا بد من مخصص يخصص الفعل لا أحد الأوامر إنما يكون ذلك فيما لم يجز التداخل وأما مع جوازه فلا إذ الفعل امتثال للجميع فلا حاجة إلى مخصص وأيضا لا نسلم انحصار المخصص في قصد الوجوب والندب إذ يجوز أن يخصص شئ آخر كما إذا لاحظ وقت الفعل كونه امتثالا لبعض الأوامر بخصوصه وإن لم يعلم أنه ايجابي أو ندبي وأيضا هذا إنما يتم فيما كان فيه أوامر مختلفة فلا يثبت الكلية كما هو مذهبهم مع أن فيما نحن بصدده أي الوضوء ليس كذلك إذ لا يجتمع فيه أمر إيجابي مع ندبي إذ مع خلو الذمة عن مشروط به لا يجب قطعا ومع شغلها لا يندب ولا يخفى أن هذا الحكم الأخير وإن كان قد ذكره القوم لكنه ليس له وجه ظاهر وسيجئ تفصيله إنشاء الله تعالى عن قريب وإن أريد به أن الوضوء لما كان واجبا وندبا فلا بد في كونه امتثالا للامر الايجابي أن يكون واجبا إذ الوضوء المندوب لا يكون امتثالا للامر الايجابي ففيه أنه لو أريد توقف الامتثال على الوجوب فممنوع ولو أريد الاستلزام فممنوع فحينئذ نقول لما كان الامر بإيجاد الطبيعة مطلوب فعند الاتيان بها يحصل الامتثال وإذا حصل الامتثال تحقق الوجوب أيضا لان ما يمتثل به الامر الايجابي واجب هذا وخلاصته القول على ما قررنا أن اشتراط نية الوجوب والندب فيما لم يتعدد الأوامر لا ظهور له فحينئذ لو لم ينو الوجه أصلا أو نوى خلاف الواقع عمدا أو سهوا لكان الفعل صحيحا سواء كان ذلك الامر الواحد معلوم الايجاب أو الندب أو مشكوكهما ولو ردد في صورة الشك بين نية الوجوب والندب لكان الظاهر أيضا الصحة وما يقال من أن الترديد في النية ليس بصحيح لا وجه له ظاهر أو كذا الحال فيما تعدد الأوامر الايجابية والندبية لكن يكون ما يجزي فيه التداخل وأما إذا لم يجز التداخل مثل الامر بنافلة الصبح وفريضتها فحينئذ لا يبعد القول لاشتراط تخصيص الفعل بأحدهما سواء كان يقصد الوجوب والندب أو بغيره من المخصصات وكذا لا يبعد القول باشتراط التخصيص فيما تعدد الأوامر الايجابية فقط والندبية فقط ولم يجز التداخل في متعلقاتها إذا أن لوازمها وأحكامها مختلفة وأما إذا لم تكن مختلفة فالظاهر أيضا عدم الاشتراط هذا ثم اعلم أن المتكلمين ذكروا أنه لا بد في حسن الفعل من أن يفعل لوجوبه أو ندبه ويمكن أن يكون كلام الأصحاب أيضا ناظرا إليه كما يشعر به الوجه الأول من الوجهين المذكورين لكن هذا القول أيضا مما لم يقيموا عليه دليلا ظاهرا بل الظاهر أنه يندفع بالقربة التي ذكرها الأصحاب لأنهم لم يقتصروا على الوجوب والندب بل عمموا الحكم بأنه لا بد من أن يكون الفعل لوجوبه أو ندبه أو لوجههما وفسروا الوجه بالشكر ونحوه ولا ريب أن هذا داخل تحت القربة كما فصلناها سابقا وأما اشتراط أحد الامرين من الرفع أو الاستباحة فقد اختلف فيه فالشيخ في المبسوط والعلامة في جملة من كتبه والمحقق في المعتبر وابن إدريس قالوا باشتراطه وادعى ابن إدريس الاجماع عليه ونقلوا عن السيد المرتضى (ره) اشتراط خصوص الاستباحة وعن أبي الصلاح وابن زهرة وابن البراج وابن جمزة اشتراطهما معا والشيخ (ره) في النهاية والمحقق في الشرايع ذهبا إلى عدم الاشتراط وقال السيد السعيد جمال الدين ابن طاوس في البشرى لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي الفضل إلى رفع الحدث واستباحة الصلاة لكن علمنا يقينا أنه لا بد من نية القربة وإلا كان هذا من باب اسكتوا عما سكت الله عنه انتهى والظاهر القول الأخير لأصالة البراءة وصدق الامتثال بدونه وعدم دليل مخرج عن الأصل كما سيظهر احتج المشترطون لأحدهما بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمت إلى الصلاة الآية وجه الاحتجاج إن المفهوم منه عرفا أن الوضوء لأجل الصلاة كما أن المفهوم من قولهم إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك وإذا لقيت العدو فخذ سلاحك إن أخذ الأهبة والسلاح لأجل لقاء الأمير والعدو ولا معنى لكون الوضوء للصلاة إلا أنه لاستباحتها والجواب أن كون هذا المعنى مفهوما من الآية بحسب العرف مسلم لكن لا يثبت المطلوب لان كون الوضوء لأجل الصلاة لا يستلزم أن يقصد في الوضوء أنه لأجل الصلاة وهو ظاهر لا يرى أن في المثالين المذكورين لا يلزم من امتثالهما أن يقصد حين أخذ الأهبة والسلاح أنه لأجل الأمير والعدو وأورد عليه أيضا أن هذا الدليل لو تم لدل على ما نسب إلى المرتضى (ره) من اشتراط الاستباحة لاحد الامرين كما هو مدعي المحتجين وأجاب العلامة (ره) في المختلف عن الايراد بوجهين أحدهما إن وجوب الاستباحة لا ينافي ما ذكرنا من كونه أحد الفردين المخير فيهما لان فرد الواجب المخير أيضا واجب وثانيهما أن نية رفع الحدث يستلزم الاستباحة لأنها نية لإزالة المانع من الدخول في الصلاة ليدخل المكلف في الصلاة فإنه الغاية الحقيقية فإن إزالة الحدث ليس غاية ذاتية وإنما هو مراد بالعرض لأجل استباحة الصلاة في الوجهين نظر أما في الأول فلان مراد المورد ليس أن وجوب
(٩٠)