الحدث مانع من كماله والوضوء لأجل زوال المانع فيلزم ما ذكر بعينه وقس عليه البواقي سوى الأخيرين فإن الاستدلال فيهما نحو آخر وأما الوضوء للتأهب للفرض فأمره ظاهر لأنه في الحقيقة وضوء للصلاة أمر بتقديمه على الوقت استحبابا فلا شك في رفعه وإباحته وأما الوضوء للكون على الطهارة فلما عرفت من أن الطهارة صفة تحصل بعد ارتفاع الحدث فإذا أمر بالوضوء لهذا المعنى فينبغي أن يحصل بعده وهو إنما يحصل برفع الحدث فيلزم ارتفاعه ويلزم ما ذكرنا واعلم أن في جميع ما نقلنا من العموم نظرا أما أولا فبالمنع من وجود حالة في باطن المكلف شبيهة بالنجاسة وهو الحدث لعدم دليل عليه وما ورد في بعض الروايات إنما يحمل على معنى آخر وأما ثانيا فبالمنع من أن متى ارتفع ذلك المعنى يستباح الصلاة ونحوها وأما ثالثا فبالمنع من أن الغرض من الامر بالوضوء في جميع ما أمر له إلا ما استثنى إنما هو ارتفاع الحدث لم لا يجوز أن يكون شيئا آخر كما في الصور المستثناة وأما رابعا فبالمنع من كون الطهارة صفة وراء جواز الاتيان بالصلاة ونحوها صحيحا كاملا كما مر آنفا وفيه بعد لورود الطهارة في الروايات بمعنى آخر كثيرا بحيث لا تقبل المنع وعلى تقدير التسليم لا نسلم توقفه على رفع الحدث إذ يجوز أن يكون للطهارة مراتب أو معان مختلفة يحصل بعضها بدون ارتفاع الحدث كما ورد فيمن اغتسل غسل الجمعة أنه في طهر إلى الجمعة الأخرى مع أنه في بعض الأوقات محدث البتة والحاصل أن ثبوت الحقايق الشرعية لهذه الأمور غير معلوم وعلى تقديره أيضا لم يتيقن عندنا بل يفهم من الروايات إطلاقه في موارد مختلفة فيجوز أن يكون لها معان متعددة أو معنى واحد له مراتب مختلفة بعضها يجامع الحدث وبعضها لا يجامع بل يجوز أن يكون للحدث أيضا مراتب مختلفة وكذا يجوز أن يكون لخصوص الأوقات والساعات دخل في حصول بعض المراتب من الوضوء أو الغسل مثلا يجوز أن يحصل المرتبة التي لا يجامع الحدث من الوضوء في الوقت مثلا دون خارجه أو بقصد الصلاة مثلا دون غيرها فعلى هذا إذا أمر بالوضوء للكون على طهارة قبل الوقت فيجوز أن يكون تلك الطهارة التي تحصل من ذلك الوضوء والطهارة التي يجامع الحدث فلا يكفي في استباحة الصلاة بل لا بد فيه من الوضوء في الوقت ليحصل الطهارة التي لا يجامع الحدث وقس عليه الحال في الوضوء للأشياء المذكورة إذ يجوز أن يكون الغرض من الوضوء حصوله بعض مراتب الطهارة التي لا يكفي في الصلاة فظهر أن القول بامتثال هذه الوجود والدلايل مما لا يسمن ولا يغني من جوع بل لا بد من النظر في الروايات وعمومها وخصوصها وإطلاقها وتقييدها والترجيح على النحو المقرر المعمول فعلى هذا نقول قد ورد الامر العام بالوضوء عند القيام إلى الصلاة من قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية فلا بد من حمله على ظاهره حتى يثبت المخصص والمخصص في الصورة التي توضأ المكلف قبل الوقت للأمور المذكورة استحبابا غير ثابت لعدم تمام الدليل كما عرفت فيجب الحكم بوجوب الوضوء وكذا الحال في قوله (عليه السلام) إذا دخل الوقت فقد وجب الطهور والصلاة هذا في غير التأهب وأما في التأهب فنقول فيه أن الدليل الذي ذكر سابقا على استحبابه غير تام إذ على تقدير أن يكون الامر بالصلاة في أول الوقت عاما شاملا لأوله الحقيقي يكون معارضا بالعمومين المذكورين وحملهما عليه ليس أولى من العكس بل الامر بالعكس لعدم صراحته في العموم كما لا يخفى والشهرة بين الأصحاب وإن عول عليها في بعض المواضع لكن ليس مما لا يمكن الاعتماد عليه حال معارضتها للكتاب والسنة وبهذا ظهر إيراد آخر على أكثر الموارد المذكورة أيضا إذ ليس فيه مستند ظاهر سوى الشهرة كما عرفت وظهر أيضا حال الوضوء المندوب الذي ذكره القوم في باب الوجوب لنفسه ولغيره لأن الظاهر مما ذكروه أما الوضوء للتأهب أو للكون وقد عرفت حالهما وعلى تقدير كونه فردا أيضا يعلم حاله بالمقايسة فتدبر اللهم إلا أن يمنع عموم الآية والرواية ونقول بوجوب الوضوء في بعض الأوقات مما وقع الاجماع عليه مثلا وما نحن فيه لما لم يكن فيه إجماع ولا دليل آخر فيحكم فيه بأصل البراءة والاستدلال بأن التكليف اليقيني لا بد له من البراءة اليقينية أيضا أجزاؤه ها هنا مشكل لان التكليف اليقيني إنما هو بالصلاة والطهارة خارجة عنها نعم وجوبها لها في بعض الصور ثابت بالاجماع أو نحوه فيحكم بوجوبها فيه وأما في البعض الاخر كما فيما نحن فيه فلا وعموم الاشتراط المستفاد من قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور لا يجدي ها هنا أيضا لتحقق الطهور في فرضنا ولا يتوهم المنافاة بين هذا وبين ما ذكرنا من جواز كون الصلاة موقوفة على مرتبة معينة من الطهارة لاندفاعه بالتأمل واعلم أن بعضهم ادعى الاجماع على أن الوضوء المندوب الذي لا يجامع الحدث الأكبر مثل الوضوء لنوم الجنب مبيح للصلاة الواجبة المشروطة بالطهارة وهذا وإن كان الظاهر من كلام ابن إدريس حيث قال ويجوز أن يؤدى بالطهارة المندوبة والفرض بدليل الاجماع من أصحابنا لكن ذكر في موضع آخر ما يدل ظاهرا عل خلافه قال وإجماعنا منعقد على أنه لا يستباح الصلاة إلا بنية رفع الحدث أو بنية استباحة الصلاة بالطهارة وأما أن توضؤ الانسان بنية دخول المساجد والكون على طهارة والاخذ في الحوائج لان الانسان مستحب له أن يكون في هذه المواضع على طهارة فلا يرتفع حدثه ولا يستبيح بذلك الوضوء الدخول في الصلاة انتهى وحمله على أن المراد منه أن الوضوء الواجب بنية هذه الأمور لا يبيح الصلاة لا الوضوء المندوب لا يجدي نفعا
(٣٦)