فإذا فرض هذا الغرض قبل دخول وقت الطواف يلزم الوجوب النفسي بحسب أصل الشرع أو يقال مرادهم نفي الوجوب النفسي بالأصالة وهذا وجوب بالتبعية وفيه بعد أو يمنع وجوب مقدمة الواجب وهذا المنع وإن كان موجها لكن الظاهر أن القائلين بالوجوب الغيري لا يقولون بوجوبه قبل دخول الوقت ولا ببدليته أيضا ولم يكتفوا بالأول فقط لا يقال لا نسلم التوقف على الغسل لأنه حكم سبحانه تعالى بعده ببدلية التيمم له لأنه تعلق ما بعده به لا ظهور له كما مر سابقا وعلى تقدير التسليم يفرض الكلام فيما إذا لم يمكن الغسل والتيمم جميعا وقت دخول الوقت فحينئذ يلزم ما ذكرنا وفيه كلام سيجئ عن قريب ولا يخفى جريان مثل هذا الاستدلال في قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور بالنسبة إلى جميع الطهارات فتدبر ومنها ما رواه الشيخ (ره) في التهذيب في باب حكم الجنابة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سئلته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم والاستدلال به من وجهين الأول أنه (عليه السلام) علق وجوب الغسل على الدخول فقط فلم يكن معلقا على غيره الثاني أنه علق وجوب المهر والرجم على الادخال ولا خلاف في أنهما غيره شرطين بعبادة من العبادات فكذا الغسل قضية للعطف وفيه ضعف ظاهر لان العطف لا يقتضي التساوي في جميع الأمور بل التساوي في أن للادخال دخلا في وجوبهما كاف إلا يرى اشتراطه كل من المهر والرجم بشرط خلاف الشرط الآخر بل نقيضه لان المهر مشروط بالعقد والرجم بعدمه والحق أن مثل هذا الاستدلال مما لا يليق بمن له وجدان سليم ومنها ما رواه (ره) أيضا في هذا الباب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل فقال الأنصار الماء من الماء وقال المهاجرون إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر لعلي (عليه السلام) ما تقول يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام) أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من الماء إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل والاستدلال به أيضا من وجهين أحدهما من حيث تعليقه (عليه السلام) وجوب الغسل على الالتقاء فقط ولم يشترط بشئ آخر وثانيهما أنه أنكر (عليه السلام) إيجاب الحد والرجم بدون إيجاب الغسل وكان وجهه أن إيجاب الأصعب يقتضي إيجاب الأسهل بطريق الأولى ولا شك أنه يتحقق وجوب الأصعب وقت عدم وجوب الصلاة مثلا فيجب أن يتحقق وجوب الأسهل أيضا وإلا يلزم ما أنكره (عليه السلام) وفيه أن حمل كلامه (عليه السلام) على هذا المعنى يقتضي ظاهر أن يكون من باب القياس الذي تواتر عنهم (عليه السلام) منعه وإنكاره إذ لا أولوية في إيجاب أسهل العقوبتين عند إيجاب أصعبهما كما لا يخفى وحينئذ فلا بد أما أن يقال أنه إلزام لهم حيث أنهم كانوا قائلين بالقياس إن جوز البحث الإلزامي مع اعتقاد بطلانه لمصلحة مثلا كما ورد في باب القيافة أو يقال أنه ليس بحثا إلزاميا بل إنما أنكر (عليه السلام) قولهم هذا مع مخالفته لاعتقادهم في أصل كلامه (عليه السلام) أنه استبعد منهم أولا وقال أنكم كيف تقولون بهذا القول مع أنه مخالف لمعتقدكم من صحة القياس ثم بعد ذلك بين الحكم بقوله (عليه السلام) إذا التقى الختانان ويؤيده قوله توجبون ولا توجبون ولا يجب ولا يجب فتأمل وعلى التقديرين لا يبقى الحجية مجالها أو يقال أن استنادا لأمور الثلاثة إلى شئ واحد كأنه كان أمرا معلوما فقال (عليه السلام) لم تسندون اثنين منهما إليه دون الاخر لكن يأباه قوله (عليه السلام) صاعا من ماء أدنى باء كما يحكم به الوجدان إلا أن يقال التعبير بهذه العبارة كأنه للاشعار بالالزام وعلى هذا أيضا لا دلالة لجواز معلوميته استناد كل منهما إلى الادخال بشرايط مخصوصة والله أعلم ومنها ما رواه أيضا في هذا الباب عن محمد بن إسماعيل قال سئلت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل وكذا ما رواه أيضا في هذا الباب عن علي بن يقطين قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها أعليها غسل فقال إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل البكر وغير البكر وكذا ما رواه أيضا عن الحلبي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المفخذ عليه غسل قال نعم إذا أنزل والروايات الواردة بهذا المضمون كثيرة ووجه الاستدلال في الجميع واحد وهو تعليق الوجوب على مجرد الالتقاء والانزال فلا يشترط بشئ آخر ويجاب عن جميع الاستدلالات التي بهذا الوجه بأن الاشتراط كأنه كان أمرا معلوما شايعا فلم يحتاجوا إلى التعرض له كالاطلاقات الواردة في باب الوضوء وغسل الثوب وغير ذلك وقد عرفت ما فيه سابقا في باب الوضوء من أنه ممنوع علم معلومية الاشتراط وشيوعه إذ مجرد الاحتمال غير كاف وإن كان المقام مقام المنع لما مر والاستدلالات التي ذكروها على الاشتراط قد عرفت حالها والتمسك بأصالة البراءة أيضا ضعيف بعد وجود الظواهر الدالة على شغلها كيف ولو كان أصل البراءة معارضة للظواهر لما ثبت حكم من الاحكام المظنونة نعم إنما يصلح متمسكا عند عدم ظاهر مخرج عن الأصل وهو ظاهر وقد يستدل أيضا على الوجوب النفسي بأن القول بالوجوب الغيري والقول بفساد صوم من أصبح جنبا عامدا مما لا يجتمعان مع أنهم قايلون بالثاني فانتفى الأول وجه المنافاة أن الوجوب بالغير إنما يلزمه عدم وجوب الغسل ما لم يجب غايته كما يعترفون به أيضا فلم يكن الغسل للصوم واجبا في الليل إذ لم يجب الصوم بعد فلم يكن الصوم المذكور فاسدا وجوابه ما مر في تحريم محل النزاع فتذكر والشهيد الثاني (ره) تخيل أن وجه المنافاة التي ادعاها المستدل هو أن الصوم لما لم يكن مشروطا بالغسل فلم يكن الغسل واجبا له فإذا انحصر الوجوب في الغيري لزم أن لا يفسد صوم من أصبح جنبا عامدا ثم أجاب عنه بأن عدم اشتراط الصوم بالغسل ممنوع بل القايلون بفساد
(٣١)