المنقولة سابقا عن الكافي وفيه نظر لأن هذه الرواية إنما تدل على التنجس بالقطرة من الدم ومثل ما ذكره الشيخ لا يسمى قطرة وأيضا يرد على هذا الاستدلال أنه على تقدير تمامه إنما يدل على الدم فقط فإجرائه في غيره كما هو مختار المبسوط لابد له من دليل وسيجئ لهذا تتمة في بحث النجاسات إن شاء الله تعالى وأجيب عن استدلاله الأول بعدم إمكان التحرز بالمنع إن أريد معناه الظاهر وإن أريد به المشقة فربما يمنع أيضا ولو سلم فوصولها إلى حد يكون حرجا متيقنا في الدين غير مسلم واحتج القايلون بالنجاسة بأن القليل قابل للنجاسة والدم نجس وكذا غيره فيثبت التنجيس ولا يخفى أن هذا الاستدلال إنما كان متجها لو ثبت عموم تنجس القليل وقد ظهر مما سبق أنه ليس كذلك إذ غاية ما تدل عليه الروايات المتضمنة الحديث الكر الدالة بمفهومها على نجاسة القليل تنجسه بالملاقاة في الجملة وأما العموم فلا إذ لا عموم لمفهومها وما يقال إنه لو لم يكن عاما لخلي عن الفايدة التامة وهو غير جايز على الحكيم غير مسلم إذ وجود الفائدة التامة في المنطوق كاف والروايات الدالة بالمنطوق كانت مختصة ببعض الموارد ولا عموم لها أيضا وإنما كان التعدي إلى غير هذه الموارد باعتبار عدم القول بالفصل ولما وجد فيما نحن فيه القول بالفصل كان إجزاء الحكم فيه مشكلا فإن قلت صحيحة على المتقدمة في بحث نجاسة القليل المتضمنة لدخول الدجاجة التي تطأ العذرة في الماء ظاهرة في العموم قلت طهورها أيضا في العموم ممنوع لأن الماء في قول السائل ثم تدخل في الماء جنس معرف باللام وهو ليس في حد صيغ العموم بل إنما يحمل عليه في كلام الحكيم عند تقنين القوانين حيث لا عهد ولا تعارض لبعض الافراد حذرا عن اللغو وهاهنا ليس كذلك إذ السؤال عن دخول الدجاجة والحمامة قرينة على أن المراد المياه التي يتعارف كونها في الدور والمساكن من مياه الأواني والظروف وأشباهها فتأمل على أن تعميم الماء لا ينفع في مسئلتنا هذه إذ النافع فيها تعميم النجاسة كما لا يخفى لكن مع ذلك الأولى متابعة المشهور والاحتياط وبما نقلنا عن المبسوط ظهر أن الأولى أن يضم المصنف غير الدم أيضا من النجاسات إليه كأنه نظر إلى الاستبصار إذ فيه ذكر الدم فقط لكن الظاهر أنه أيضا لا اختصاص له بالدم بل يحتمل حمله على ما يوافق المبسوط احتمالا قريبا كما لا يخفى على الناظر فيه (وطهره بإلقاء كر عليه دفعة يزيل تغيره إن كان ولو لم يزله افتقر إلى كر آخر وهكذا) اعلم أنه لا يوجد في روايات أصحابنا رحمهم الله تعالى نص في تطهير المياه النجسة سوى رواية دالة على تطهير الجاري بعضه بعضا وكذا ماء الحمام كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيما بعد والروايات المختصة بالبئر بل الظاهر من رواية الماء يطهر ولا يطهر المتقدمة عد إمكان تطهير الماء إلا أن يحمل على أنه لا يطهر بغيره لكن الأصحاب (ره) ذكروا وجوها لتطهير الماء كما سنشرح مفصلا إن شاء الله تعالى مع ما يتعلق بها من الأبحاث أما الماء القليل فإن كان نجاسته بالملاقاة فقط بدون تغير فذكروا أن من جملة مطهراته إلقاء كر عليه دفعة وإن كان نجاسته بالتغير فبإلقاء كر أيضا فإن زال تغيره به فلا حاجة إلى شئ آخر وإن لم يزل فلا بد من إلقاء كر آخر وهكذا ولا يخفى أنهم لم يوجبوا إلقاء الكر في زوال التغير بل لو أزيل بغير الماء أو بالماء القليل أو زال بنفسه كفى حينئذ إلقاء كر عليه وإن كان ظاهر بعض عباراتهم كعبارة المتن يوهم خلافه واستدلوا على تطهيره بإلقاء الكر بأن الماء الطاري لكونه كرا لا يقبل النجاسة والنجس مستهلك به فيطهر ولا يخفى ما فيه من الضعف لان مرادهم بالاستهلاك إن كان الاستهلاك حقيقة بمعنى انعدامه وفنائه فبطلانه ظاهر وإن كان الاستهلاك بحسب الحس والعرف ففيه أولا أنه ليس بمسلم خصوصا إذا كان القليل النجس أنقص من الكر بقليل وهو ظاهر وثانيا أنه لو سلم الاستهلاك الحسي فما الدليل على طهارته بذلك إذ الدليل لو تم لدل على الطهارة بالاستحالة كما سيجئ إن شاء الله تعالى مع أن الأصل بقاء النجاسة حتى يثبت مزيلها سيما على رأيهم من حجية الاستصحاب مطلقا وإذ قد عرفت ضعف الاستدلال فالذي يمكن أن يعول عليه في هذا الباب اتفاق الأصحاب إذ لم ينقل لاحد فيه خلاف ثم أن هاهنا أمورا لابد من التنبيه عليها الأول أنه هل يشترط في التطهير الامتزاج مع كر طاهر أو لا بل يكفي الاتصال به ذهب المحقق في المعتبر و العلامة في التذكرة والمصنف في الذكرى إلى عدم تطهيره بالاتصال والعلامة في التحرير والنهاية والمحقق الشيخ علي والشهيد الثاني رحمهم الله على الاكتفاء بالاتصال وفي المنتهى كالمتردد واحتج على الاكتفاء بالاتصال بوجوه الأول أن الاتفاق واقع على أن تطهير ما نقص عن الكر بإلقاء الكر عليه ولا شك أن المداخلة ممتنعة فالمعتبر إذن الاتصال الموجود هاهنا توضيحه أن حال إلقاء الكر عليه إما أن يلاقي جميع أجزائه ماء الكر وهو محال لامتناع التداخل إلا على القول بالجزء الذي لا يتجزى وهو باطل وعلى تقدير وجوده نقول إن كان المعتبر ملاقاة الجميع فلا بد لا أقل من حصول الظن بها في الطهارة ولا شك أنه لا ظن فيما نحن فيه بملاقاة الاجزاء بالأسر بل لا يبعد ادعاء الظن بل العلم بعدمها وأما أن لا يلاقي جميع الأجزاء بل بعضها فقط فلم يكن المطهر للبعض الاخر وصول الماء إليه بل مجرد اتصاله بما يصل إلى الماء ولا يخفى أن عند اتصاله بالكر أيضا هذا المعنى حاصل لان بعضه متصل بالكر والبعض الاخر متصل بذلك البعض فيجب أن يكون كافيا في التطهير الثاني إن الاجزاء الملاقية للكثير يطهر بمجرد الاتصال قطعا لطهورية الماء فتطهر الأجزاء المتصلة بذلك الاجزاء أيضا لاتصالها بالكثير الطاهر لان الاجزاء الأول صارت طاهرة وهي مع الكر المفروض أولا بمجموعهما كر طاهر والاجزاء الثواني متصلة بذلك المجموع وهكذا الثالث الأصل ويرد على الأول أنا نختار الثاني ونقول أن طهارة بعض الاجزاء باتصاله بما يصل إلى الماء لا يستلزم الاكتفاء بمطلق الاتصال لجواز
(١٩١)