أنه يفهم ظاهرا من كلام التهذيب والاستبصار والنهاية أنه يكفي في عدم وجوب إعادة الغسل الاجتهاد في إتيان البول ولا يدل على الاحتياج إلى الاستبراء المتعارف إلا أن يكون المراد بالاجتهاد الاجتهاد بطريق الاستبراء نعم كلام المقنعة صريح في الاحتياج إليه (ولو لم يستبرء فهو جنب من حين الرؤية لا قبله) هذا هو المعروف بين الأصحاب ونقل ابن إدريس أنه يوجب في الاخبار والكتب وجوب إعادة الصلاة التي صلاها قبل رؤية البلل وقد رده ونسب العلامة أيضا في المنتهى القول بإعادة الصلاة إلى بعض علمائنا لكن كلام المنتهى في البلل الذي يعلم أنه مني حجة القول بإعادة الصلاة صحيحة محمد المذكورة في أول البحث السابق واعترض عليها بإمكان حملها على الاستحباب أو على من صلى بعد وجدان البلل والأول أولى ويمكن أن يحتج عليه أيضا برواية أحمد بن هلال المتقدمة لدلالتها ظاهرا على أن الغسل قبل البول لا اعتداد به لكنها مخصوصة بحال التعمد ويرد عليها أنها ضعيفة جدا وقد يتمسك أيضا بأن الغسل الأول فاسد لخروج المني عن مقره وفيه ضعف لان الغسل إنما هو للخروج عن الذكر لا للخروج عن المقر ولذا لو حبسه لم يجب الغسل إلا بعد خروجه وحجة المشهور أنه صلاة صحيحة بطهارة صحيحة والإعادة إنما يحتاج إلى دليل ظاهر وليس لما عرفت من عدم ظهور الأدلة وهذه الحجة قوية لكن الاحتياط في الإعادة عملا بالصحيحة المذكورة تذنيب اعلم أن ما ذكر من وجوب الاستبراء وعدمه والأحكام المتعلقة به إنما هو في الرجل المجنب بالانزال على المشهور وأما المرأة والمجنب بالجماع فلهما حكم آخر أما المرأة فقال المفيد في المقنعة وينبغي لها أن تستبري قبل الغسل بالبول فإن لم يتيسر لها ذلك لم يكن عليها شئ وتوقف العلامة في المنتهى في استبرائها بناء على أن مخرج البول منها غير مخرج المني فلا فائدة فيه وكذا علل الراوندي في الرابع وظاهر المبسوط أنه لا استبراء عليها ونسب هذا في الذكرى إلى ظاهر الجمل وابن البراج في الكامل أيضا وقال أيضا وأطلق أبو الصلاح الاستبراء وابنا بابويه والجعفي لم يذكروا المرأة انتهى والشيخ في النهاية سوى بين الرجل والمرأة في الاستبراء بالبول و الاجتهاد ونقل عن ابن الجنيد أنه قال إذا بالت تنحنحت بعد بولها فهاهنا ثلاث مقامات الأول أنها هل عليها استبراء وجوبا أو ندبا بعد الانزال أو لا الثاني أن حكمها بعد وجود البلل المشتبه ماذا الثالث هل تستبرأ بعد البول أم لا أما الأول فالظاهر أن وجوب الاستبراء منتف رأسا لعدم دليل عليه وأما استحبابه فلا بأس به للاستظهار ولذهاب بعض الأصحاب إليه ولاشعار رواية أحمد بن هلال المذكورة وما ذكر من أنه لا فايدة فيه فليس بظاهر إذ يمكن أن يعصر البول عند خروجه مخرج المني فيخرجه أو يكون القوة الدافعة عند دفعها للبول تدفع بقايا المني كما يشاهد عن دفع الغايط فإن عند دفعه يدفع البول أيضا غالبا وإن اجتهد في حفظه مع أن الحال في الرجل أيضا كما في المرأة لان مخرج منيه غير مخرج بوله إلا أنهما أشد تقاربا من مخرجي المرأة واحتمال العصر فيه أظهر على أن هذا الوجه على تقدير تمامه إنما يتأتى في الاستبراء بالبول فقط ثم إن استبراء المرأة بالاجتهاد إنما يكون بالعرض كما ذكره القوم وأما الثاني فأما أن يكون وجدان البلل بعد الاستبراء أو قبله وعلى التقديرين إما أن يعلم أنه مني أو يشتبه فإن كان بعد الاستبراء ويعلم أنه مني فلا يخلو إما أن يكون في فرجها مني رجل أو لا فإن لم يكن في فرجها مني رجل فالظاهر وجوب الغسل وإن كان في فرجها مني رجل فإما أن تعلم أن الخارج مني نفسها أو لا فعلى الأول الظاهر أنه أيضا كسابقه في وجوب الغسل وعلى الثاني الظاهر عدم الوجوب للروايات الدالة على عدم نقض اليقين بالشك ولصحيحة منصور وموثقة سليمان بن خالد المتقدمتين عند شرح قول المصنف ولو خرج المني من المرأة إلى آخره وتدل رواية عبد الرحمن المذكورة هناك أيضا على خصوص بعض الصور وقطع ابن إدريس في هذه الصورة أيضا بوجوب الغسل وطرح الخبرين لعموم الماء من الماء وفيه ضعف لمنع شموله ما نحن فيه سيما بعد ورود الروايات الصحيحة والموثقة بخروج هذا الفرد إلا أن يقال أنه ليس في الروايتين التصريح بخروج المني بل يخرج شئ وهو أعم من أن يكون منيا أو غيره فيكون حينئذ بين الروايات عموم من وجه لكنه بعيد لاباء التعليل الواقع في الفرق بين الرجل والمرأة في الخبر عنه كما لا يخفى مع أن عند العموم من وجه أيضا يثبت مطلوبنا لان حكمه التوقف والرجوع إلى أصل البراءة لكن الاحتياط في الإعادة وإن لم يعلم أنه مني فلا يخلو أيضا إما أن يكون في فرجها مني رجل أو لا فإن كان فلا خفاء في عدم وجوب الغسل للأصل والاستصحاب والروايتين وإن لم يكن فالظاهر أيضا عدم الوجوب للأصل والاستصحاب والاحتياط في هاتين الصورتين أيضا في الإعادة وإن كان قبل الاستبراء فأما أن تعلم أنه مني أو لا فإن علمت فلا يخلو أيضا إما أن يكون في فرجها مني رجل أو لا فإن لم يكن فالظاهر وجوب الغسل وإن كان فأما أن تعلم أنه مني نفسها أو لا فإن علمت فالظاهر أيضا الوجوب وإن لم تعلم فالظاهر عدم وجوب الغسل للأصل والاستصحاب والروايتين والرواية الأخرى أيضا في بعض الصور وخلاف ابن إدريس هاهنا أيضا والكلام فيه على نحو ما مر والاحتياط في الإعادة وإن لم تعلم أنه مني فلا يخلو أيضا من الوجهين فعلى الأول الظاهر عدم الوجوب للوجوه المذكورة والروايات السابقة المتضمنة لوجوب الإعادة مع عدم البول مختصة بالرجل كما عرفت سوى رواية أحمد بن هلال فإن فيها إطلاقا ظاهرا لكنها ضعيفة لا تصلح للتعويل والاحتياط أيضا في الإعادة وتمام الاحتياط في ضم الوضوء وعلى الثاني فالظاهر أيضا أنه مثل سابقه للأصل والاستصحاب وحال الروايات قد عرفت وأمر الاحتياط وتمامه واضح وأما حال وجوب الوضوء وعدمه لو بالت ولم يستبرء منه فيظهر في المقام الثالث وأما الثالث فلا ريب في عدم وجوب الاستبراء عليها بعد البول وأما الاستحباب فلا بأس به لما فيه من الاستظهار ولقول بعض الأصحاب فلو وجدت بللا مشتبها فإن كان بعد الاستبراء فالظاهر عدم الالتفات للأصل والاستصحاب والاجماع أيضا ظاهرا وإن كان قبله فالظاهر أنه أيضا كذلك
(١٧٥)