فالفرقتان الأوليان يمكن أن يقولا بلزوم الماء الجديد في المسح كما يقولون بلزومه في مسح الرأس وعلى هذا فالحمل على التقية موجه لموافقته لمذهب فريقين منها قال المحقق البهائي (ره) في توجيه هذا الخبر في الحبل المتين والذي ما زال يختلج بخاطري إن إيمائه (عليه السلام) إنما نهاه عن المسح ببقية البلل فقال أبماء جديد فسمعه الحاضرون فقال (عليه السلام) برأسه نعم ومثل ذلك يقع في المحاورات كثيرا انتهى كلامه وفيه نظر لان ما ذكره من التوجيه مع بعده لا يكاد ينفع فيما هو محل الاشكال إذ ظاهرا أن لا إشكال في الجزء الأول من الخبر لامكان حمله على ظاهره من باب التقية لموافقته لمذاهب العامة جميعا كما هو الظاهر أو أكثرها إنما الاشكال في الجزء الأخير وهذا التوجيه لا ينفع في تصحيحه أصلا وأما الثاني فقد اختلف فيه فذهب ابن الجنيد وابن إدريس والمحقق إلى جواز المسح على الرجلين مع كونهما رطبتين سواء كانت رطوبتهما أنقص من رطوبة اليد أو لا قال ابن إدريس من كان قائما في الماء توضأ ثم أخرج رجليه من الماء ومسح عليهما من غير أن يدخل يده في الماء فلا حرج عليه وقال ابن جنيد من تطهر إلا رجليه فدهمه أمر احتاج معه إلى أن يخوض بهما نهرا مسح يديه عليهما وهو في النهر إن تطاول خوضه وخاف جفاف ما وضاه من أعضائه وإن لم يخف كان مسحه بعد خروجه أحب إلى وأحوط وقال المحقق في المعتبر لو كان في ماء وغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ورجليه جاز وعبارة المحقق يحتمل وجهين تجويزه المسح في الماء كما ذهب إليه ابن الجنيد والمسح بعد خروجه كما هو رأي ابن إدريس وبالجملة يظهر من كلام الثلاثة تجويز المسح مع الرطوبة أعم من أن يكون غالبة على بلة اليد أو مغلوبة ونقل العلامة (ره) عن والده في المنتهى والمختلف القول بالمنع ومال إليه في المختلف حجة الجواز صدق الامتثال وتناول إطلاق الآية والاخبار وإن اليد لم ينفك عن ماء الوضوء فلم يضره ما كان على القدمين من الماء وقال المصنف في الذكرى وكان ابن الجنيد قال به بناء على مذهبه من جواز الاستيناف وفيه نظر لان قوله بجواز الاستيناف انما هو حال جفاف اليد لا مطلقا كما تقدم واحتج العلامة في المختلف على المنع بأن المسح يجب بنداوة الوضوء ويحرم التجديد ومع رطوبة الرجلين يحصل المسح بماء جديد والظاهر القول الأول لما علمت سابقا من عدم دليل تام على عدم جواز الاستيناف سوى التمسك بالشهرة أو الاجماع وهما منتفيان ها هنا فينبغي القول بالجواز لصدق الامتثال ثم إن الظاهر من كلام المصنف (ره) في هذا الكتاب اشتراط غلبة رطوبة اليد على رطوبة الرجل وقال في الذكرى بعد نقل كلام المجوزين والعلامة نعم لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال وبالجملة ما ذكروه قوي وما ذكره أحوط انتهى وهذا يدل على تجويزه المسح على الرطوبة سواء كانت رطوبة اليد غالبة ولا نعلم في صورة الغلبة يكون التجويز عنده أظهر ويرتفع في نظره الاشكال والظاهر التجويز مطلقا بدونه اشتراط الغلبة لما عرفت واعترض المحقق الثاني على قوله بارتفاع الاشكال عند غلبة الرطوبة بأن التعليل المذكور إنما يقتضي بقاء الاشكال حينئذ أيضا وكان نظر المصنف إلى أن في صورة الغلبة لا يصدق عليه المسح بالماء الجديد عرفا وإن صدق عليه لغة هذا والاحتياط ان راعى الجفاف مهما أمكن (ولا يجزي النكس على الأولى) المشهور بين الأصحاب جواز النكس وهو مختار الشيخ وابن أبي عقيل وسلار وابن البراج والمحقق والعلامة في جملة من كتبه وذهب ابن إدريس إلى عدم جوازه وهو الظاهر من كلام ابن بابويه والمرتضى رحمهم الله أيضا والظاهر المشهور لصحيحة حماد المتقدمة في جواز النكس في مسح الرأس ولما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء عن يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن (عليه السلام) بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب مسح الرأس والقدمين وزاد فيه بعد ما ذكرنا ويقول الامر في مسح الرجلين موسع من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا فإنه من الامر الموسع إنشاء الله تعالى ويرد عليه أنه يمكن أن يكون المراد بالمسح من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم مسح القدم ظاهرا وباطنا تقية كما ورد في مرفوعة أبي بصير ورواية سماعة المتقدمتين لا أن يكون المراد المسح تارة مقبلا وتارة مدبرا كما هو المدعى مع أن الرواية ضعيفة بالارسال ويندفع الايراد بالزيادة التي نقلنا من الكافي كما لا يخفى نعم ما ذكره من الارسال متجه لكن لا يدفع تأييدها للرواية السابقة إنما يدفع كونها حجة مستقلة ويؤيد جواز النكس رواية سماعة المتقدمة المتضمنة لمسح القدم ظاهرا وباطنا حجة المانعين قوله تعالى إلى الكعبين وفيه إن الغاية يجوز أن يكون للمسوح لا المسح والروايات المتضمنة لفعلهم (عليه السلام) كذلك وفيها أيضا ما مر غير مرة والامر الاحتياط واضح (ولا تقديم اليسرى على اليمنى ولا مسحهما معا احتياطا) قال العلامة في المختلف المشهور بين علمائنا سقوط وجوب ترتيب المسح بين الرجلين بل يجوز مسحهما دفعة واحدة بالكفين ومسح اليمين قبل اليسار وبالعكس وقال سلار يجب مسح اليمنى قبل اليسرى قال وفي أصحابنا من لا يرى الرجل ترتيبا وقال ابن أبي عقيل عقيب ذكر ترتيب الأعضاء وكذا إن بدء فمسح رجله اليسرى قبل اليمنى رجع فبدأ باليمنى ثم أعاد على اليسرى وقال ابن الجنيد لو بدء بيساره على يمينه في اليد أو في الرجل رجع على يساره بعد يمينه ولا يجزيه إلا ذلك قال ابن بابويه يبدأ بالرجل اليمنى قبل اليسرى وكذا قال ولده أبو جعفر انتهى وقال المصنف في الذكرى وفي كلام بعضهم تجويز مسحهما معا لا تقديم اليسرى انتهى والظاهر من المذاهب ما هو المشهور لاطلاق الأوامر وصدق الامتثال واحتج على وجوب الترتيب بالوضوء البياني وقد عرفت ما فيه وبما رواه الكافي في باب مسح الرأس في الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال وذكر المسح فقال امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابتدأ بالشق الأيمن وفيه بعد المناقشة في السند إن الامر لا ظهور له في الوجوب كما مر مرارا سيما مع شهرة خلافه بين الأصحاب نعم الاستحباب مسلم بهذه الرواية والقول بالتفصيل الذي في الذكرى لم نقف له على مستنده
(١٢٤)