التناقض لو لم يرتكب التأويل في الأول قلت التأويل الثاني أبعد من الأول ولا أقل من مساواتهما فلم يبق للرواية ظهور في المدعى سلمنا ظهورها فيه فلتحمل على التجوز والتأويل جمعا بينها وبين ما ذكرنا من المعارضات مع كثرتها واعتضادها بالأصل وعند هذا ظهر حال ما قاله المحقق المذكور من أن هذه الرواية الصحيحة الخالية عن المعارض مساعدة للعلامة ولا يخفى ضعف ما قاله أيضا من أن قوله (عليه السلام) في هذا الخبر ها هنا بالإشارة إلى مكان الكعب دون الإشارة إليه يعطي أنه العظم المخفي لا الناتي ظهر القدم فتدبر فخلاصة القول على ما قررنا إن الظاهر أن الكعب هو العظم الناتي في وسط القدم وإن ما ذكره العلامة (ره) وتبعه المصنف (ره) في الرسالة والمقداد في الكنز مما لا وجه له ظاهرا نعم الاحتياط في الاخذ بقولهم للخروج عن عهدة الخلاف ويحتمل أن يكون المصنف (ره) أيضا حكم في الرسالة بهذا المعنى رعاية للاحتياط كما يشعر به كلامه في البيان لا أنه رجحه وقواه كيف وقد شنع كثيرا في الذكرى على هذا القول والله أعلم بحقايق أحكامه وأما الثالث وهو تحديد المسح فقد ذكرنا سابقا أن الاجماع منعقد على أن المسح بالظاهر دون الباطن ثم الظاهر من كلام المحقق في المعتبر أن استيعاب الظاهر أيضا عرضا مما لا يجب إجماعا بل يكفي المسح ولو بإصبع واحدة قال فيه ولا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة وهو إجماع فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) وكذا قال العلامة في التذكرة لكن قال بعد ذلك بأسطر ويستحب أن يكون بثلاث أصابع مضمومة قال بعض علمائنا يجب وهو بظاهره مناف لسابقه إلا أن يقال أن الاجماع الذي ادعاه إنما هو على مجرد عدم وجوب الاستيعاب لا على كفاية إصبع واحدة أيضا فها هنا مقامان وجوب الاستيعاب وعدمه ووجوب مقدار ثلاث أصابع مضمومة وعدمه أما الأول فقد عرفت دعوى الاجماع على العدم ويدل عليه أيضا صحيحتا زرارة وبكير المنقولتان في بحث مسح الرأس بمسماه عن التهذيب وحسنتهما المنقولة عن الكافي فأما صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة آنفا الدالة على الاستيعاب فمحمولة على الاستحباب جمعا فان قلت لم لا تقيد الروايات المطلقة بهذه الرواية قلت أما أولا فلعدم ظهورها في الوجوب وأما ثانيا فلدعوى الاجماع على خلافها وأما ثالثا فلكثرة الروايات واعتضادها بالأصل وقس عليه أيضا ما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء في الحسن عن عبد الأعلى مولى سام قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عثرت فانقطع ظفري فجعلت على أصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء فقال يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل قال الله ما جعل عليكم في الدين من حرج أمسح عليه وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب الجباير ويمكن أن يحمل أيضا على ظفر اليد أو جميع الأظفار لكنه بعيد وأما الثاني فالظاهر فيه أيضا عدم الوجوب للروايات المتقدمة ولظاهر الاجماع المنقول عن المعتبر واحتج على الوجوب بالصحيحة المذكورة وفيه ضعف لعدم دلالتها على مرادهم بل لا بد من حملها على مرادهم من ارتكاب تخصيص فيها وهو ليس بأولى من حملها على الندب مجازا على تقدير تسليم ظهورها في الوجوب وبرواية معمر بن عمر المتقدمة في البحث المذكور أيضا والجواب بعد القدح في السند بحملها على الاستحباب للجمع وبما ذكرنا يمكن استنباط الحال في وجوب المسح بالإصبع وإجزاء ما دونها فتدبر والاحتياط في المسح بجميع الكف للصحيحة والحسنة المتقدمتين هذا كله بالنظر إلى استيعاب العرضي أما الاستيعاب الطولي فقد تردد فيه المحقق في المعتبر ثم رجح وجوب الاستيعاب بقوله تعالى إلى الكعبين فلابد من الاتيان بالغاية وكذا قال العلامة في التذكرة ولا يخفى إن هذا الاستدلال إنما يتم لو كانت العامة للمسح وأما إذا كانت للممسوح فلا فحينئذ الظاهر بالنظر إلى الروايات المتقدمة جواز المسح بأي جزء كان من ظاهر الرجل سواء ابتدى من الأصابع أو لا وسواء انتهى إلى الكعب أو لا لكن لم نقف على قول من الأصحاب به فالأولى متابعة ما اشتهر بينهم خصوصا مع اعتضاده بالحسنة المنقولة آنفا وإشعار ما أيضا في الآية به ثم الكلام في دخول الكعبين في المسح وعدمه كالكلام في المرفقين فقس عليه واستدل المعتبر على عدم وجوب الدخول بصحيحة زرارة وبكير المتقدمة المتضمنة لعدم وجوب إدخال اليد تحت الشراك ولك بما ذكرنا سابقا في المرفق غنية عن تفصيل القول ها هنا ولا يخفى أنه على تقدير كون الكعب العظم الناشز بتمامه واعترف بدخوله في المسح يرتفع الخلاف بين العلامة (ره) والجمهور (بالبلة الغالبة على رطوبتهما إن كانت) أي إن كانت رطوبة ها هنا حكمان أحدهما وجوب المسح بالبلة وثانيهما ببلة غالبة على رطوبة الرجلين أما الأولى فقد مر في بحث مسح الرأس بالبلة وعدم جواز الاستيناف ما يمكن أن يستنبط منه حال مسح الرجلين وقد بقي رواية متعلقة بالرجلين لم نوردها هناك فلنورد ها هنا وهي ما رواه التهذيب في باب صفة الوضوء في الصحيح عن معمر بن خلاد قال سئلت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) أيجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال برأسه لا فقلت أبماء جديد فقال برأسه نعم وهذا مما لا كلام في عدم العمل بظاهره لمخالفته للاخبار الكثيرة المتظافرة التي كادت أن تبلغ مبلغ التواتر لكن الكلام في أنه على ما يحمل و بأي شئ يأول لأنه لصحته لا ينبغي طرحه بالكلية فالشيخ (ره) في التهذيب حمله على التقية وأورد عليه إن العامة لم يقولوا بمسحهما لا ببقية البلل ولا بماء جديد فكيف يحمل على التقية وأجيب بأنهم يجوزون إطلاق المسح على الغسل فيمكن تنزيل الكلام على ما يوافق زعمهم ورد بأن ما تضمنه الحديث مع المسح بفضل الرأس يأبى هذا التنزيل وأنت خبير بأن الاباء غير ظاهر إذ لا بعد في أن يقال سئل أولا عن المسح ببقية البلل فلما لم يجوزه سال عن المسح بالماء الجديد كناية عن الغسل فأجازه تقية بل يمكن أن لا يقدر المسح في الكلام بل يقال تقدير ما يغسل بماء جديد وقيل تنزيله على مسح الخفيف أولى وفيه بعد والأولى أن يقال في توجيه الحمل على التقية إن العامة كما عرفت مختلفون فبعضهم يقولون بالتخيير بين الغسل والمسح وبعضهم بوجوبها معا وبعضهم بوجوب الغسل وحده
(١٢٣)