الكعب ولو بإصبع واحدة وهو مذهب علمائنا أجمع وإنما قال طاب ثراه بوجوب استيعاب الطولي أعني إيصال خط للمسح من رؤس الأصابع إلى الكعب على أن يكون الكعب داخلا في الممسوح وهذا مما لم ينعقد إجماع على خلافه انتهى كلام المحقق البهائي في هذا المقام ولنبين الان بتوفيق الله تعالى ما هو الظاهر بحسب نظرنا القاصر بحسب ما يستفاد من الاخبار وكلام القوم رحمهم الله وكلام أهل اللغة أعلم أنه لا يشك من به أدنى مسكة إن كلام الأصحاب صريح في أن الكعب هو العظم الناشر في الوسط الطولي من الرجل لوصفهم إياه بالنتؤ وكونه في وسط القدم ومعقد الشراك إذ لا نتو لغيره وليس غيره معقد الشراك وكذا التوسط وحمله على التوسط العرضي بعيد جدا خصوصا مع انضمامه بالوصفين الأخيرين وما ذكر من أن العظم الذي في المفصل أيضا له نتو وارتفاع فلا يخفى ما فيه لان النتو الذي لا يظهر للحس لا يمكن حمل الكلام عليه كيف وهذا العظم مما لم يعرفه إلا علماء التشريح فإرادة القوم إياه من هذه العبارات الظاهرة في معنى آخر بلا تفسير وتوضيح له مما لا يقبله الطبع التسليم وأيضا قد اعترف هذا القائل بأن كلام المفيد (ره) صريح في أن المراد العظم الناشز في الوسط الطولي والحال أن الشيخ (ره) في التهذيب ادعى الاجماع منا على أن الكعب بالمعنى الذي أورده المفيد (ره) وأيضا إطلاق الكعب على هذا المعنى لم نجده في كلام أهل اللغة وكتبهم المشهورة من النهاية والصحاح والقاموس والمغرب ولنجمل بل إنما هو في كلام أهل التشريح وما ذكره المحقق المذكور من نسبة هذا الاطلاق إلى القاموس فغير ظاهر بل الظاهر أن المراد من قوله في أثناء تفسير الكعب والذي يعلب به كالكعبة كعب النرد لا ما فهمه (ره) على محاذاة ما ذكره صاحب النهاية حيث قال الكعاب فصوص النرد وأحدها كعب وكعبة واللعب بها حرام ولا شك أنه إذا لم يكن هذا الاطلاق في كلام أهل اللغة فحمل الكعب عليه خطأ وإن كان موافقا لكلام أهل التشريح لان بناء الكتاب والسنة على اللغة والعرف والاصطلاح الشرعي إن كان لا على اصطلاحات الخاصة غير الشرع ولو تنزلنا عن صراحة العبارات في هذا المعنى وعدم قبول التأويل فلا خفاء في ظهورها فيه فما الحاجة إلى ارتكاب خلاف الظاهر والتأويل فإن كان الباعث حديث الأخوين فسنذكر إنشاء الله تعالى ما يدفع المنافاة ويظهر منه انطباقه على ظاهر العبارات وإن كان نسبة بعض المخالفين خلافه إلى علمائنا من الامام وصاحب الكشف والنيشابوري كما أورده المحقق المذكور ففيه إن كلامهم لا يصلح للاعتماد والتعويل ولا اطلاع لهم على مذاهب الخاصة إلا ترى أن صاحب النهاية الذي هو أعرف منهم بأمثال هذه الأمور قد نسب إلى الشيعة ما هو الظاهر من عباراتهم قال في النهاية الكعبان العظمان الناتيان عند مفصل الساق والقدم عن الجنبين وذهب قوم إلى أنهما العظمان اللذان في ظهر القدم وهو مذهب الشيعة ومنه قول يحيى بن الحرث رأيت القتلى يوم زيد بن علي فرأيت الكعاب في وسط القدم هذا إن حمل كلام العلامة (ره) على أن مراده إن الكعب الوارد في الكتاب والسنة هذا العظم الواقع في الملتقى وصب عبارات الأصحاب عليه وإن حمل على أن مراده إن الكعب الوارد فيهما بمعنى المفصل وحمل عبارات القوم عليه بأن جعل تفسيرهم إياه بالعظم الواقع في الملتقى من باب إطلاق الحال على المحل ففيه بعد ما ذكرنا إن كلامهم لا يحتمل ذلك العظم أنه أي شئ دعاهم إلى تفسير المفصل الظاهر عند كل أحد بالعظم الذي يخفى على كثير من الناس وأيضا إطلاق الكعب على المفصل مما لم يشتهر بين أهل اللغة وإنما رأيناه في كلام القاموس فقط ولعله إنما استنبطه من كعوب الرمح للنواشر في أطراف الأنابيب وليس بجيد لان إطلاق الكعب عليه ليس باعتبار كونه مفصلا بل باعتبار النشوز والارتفاع والله أعلم وأيضا ما الدليل على الحمل على ذلك المعنى المخالف للمشهور فلن كان الحديث فسنذكر الحال فيه وإن كان كلام المخالفين فلا عبرة به كما عرفت فإن قلت لعل الداعي إلى هذا الحمل كلام ابن الجنيد لأنه صريح في أنه المفصل كما تقدم قلت صراحته فيه بل ظهوره أيضا ممنوع لاحتمال أن يكون الضمير في قوله وهو المفصل الذي قدام العرقوب راجعا إلى عظم الساق ويكون المراد أنه عند المفصل بقرينة سابق كلامه إن الكعب في ظهر القدم ولو سلم ظهوره في المفصل فلا وجه لارتكاب خلاف الظاهر بل الصريح في الكتاب والسنة وكلام كثير من الأصحاب بمجرد كلام ابن الجنيد (ره) هذا ما يستفاد بالنظر إلى اللغة وكلام الأصحاب ولنذكر ما يستفاد بالنظر إلى الروايات فنقول لا يخفى عليك إن صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة ظاهرة بل صريحة في العظم الناشز في الوسط الطولي ولا مجال للكلام فيه وإنكاره مكابرة وحسنة ميسر أيضا ظاهرة فيه كما يحكم به الوجدان وإن لم يكن بمنزلة الصحيحة وما ذكره هذا المحقق من قوله على أن قول ميسرة إلى آخره فضعيف جدا إذ المراد من وصفه (عليه السلام) الكعب في ظهر القدم بيانه (عليه السلام) إن الكعب هو ظهر القدم لا أنه (عليه السلام) ذكر له أوصافا ليعرفه الراوي وهو ظاهر وأما الرواية الأخرى من ميسر فأظهر في المراد من أخته كما لا يخفى وأما الثلاثة الأخرى الدالة على عدم وجوب دخول الإصبع تحت الشراك فدلالتها أيضا على هذا المعنى ظاهرة لان الشراك غالبا إنما يعقد أسفل من المفصل إلا أن يناقش فيها بأنها لا دلالة لها على أن الكعب دون المفصل لجواز أن يكون الكعب هو المفصل لكن لم يجب لاستيعاب الطولي لكن يمكن إلزامها على العلامة (ره) حيث قال بوجوب الاستيعاب الطولي كما اعترف به ذلك المحقق أيضا في آخر كلامه مع أن الظاهر أن أحدا لم يقل بعدم وجوب الاستيعاب الطولي وسيأتي تفصيل القول فيه إنشاء الله تعالى وأما صحيحة الأخوين التي تمسك بها العلامة (ره) فهي وإن كان يتراءى منها في بادي النظر إن الكعب هو المفصل لكن عند التأمل يظهر خلافه نظرا إلى الصحيحة التي في الكافي من قوله (عليه السلام) والكعب أسفل من ذلك كما نقلنا وذلك لان قوله (عليه السلام) هذا عظم الساق على ما في التهذيب أو من عظم الساق على ما في الكافي أما إشارة إلى المنجم أو المنتهى عظم الساق فإن كان الأول فهو عند المفصل كما نقلنا من النهاية أيضا فحكمه (عليه السلام) بأن الكعب أسفل منه ظاهر في أنه المعنى المعروف وإن كان الثاني فالامر أوضح فعلى هذا ظهر أنه يجب حمل قوله ها هنا يعني المفصل على أنه أشار إلى قريب من المفصل لئلا يلزم التناقض فإن قلت يمكن حمل قوله (عليه السلام) أسفل من ذلك على التحتية أو نحوها فلا يلزم
(١٢٢)