محاسبة الامناء وناظره في ذلك - وإن كان مراده ما أشاع حساده من الامناء فأغروا به نائب هارون بن أبي الجيش حتى اعتقل أبا جعفر الطحاوي بسبب اعتبار الأوقاف وأوقعوا بين أبي عبيد القاضي وأبي جعفر الطحاوي حتى تغير كل منهما للآخر فالحق مع أبي جعفر الطحاوي نال ما نال من الحساد الذين يتعسفون عليه بالعدالة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله يجزيه على ذلك إن شاء الله تعالى واما قوله أو من جهة الخ فالقائل مجهول ولا يكون الجرح عند أهل النقد هكذا والظاهر أنه اخذ ذلك عن ابن النديم فإنه اخذ كلامه كله ولكن حذف هذه الجملة من أثناء كلامه ثم شرح قول ابن الأحمر بقول ابن النديم وابن النديم لم يجزم على ما قال بل ذكر بصيغة التمريض بدون التحقيق على ما هو عادة المؤرخين في الجمع بين الرطب واليابس والصحيح والسقيم بمثل هذا لا يثبت جرح من ثبتت إمامته وأمانته وديانته وتثبته وثقته ومن اتفق على فضله وصدقه وزهده وورعه وقد أعرض المتقدمون والمتأخرون عن ذكر ما ذكره الحافظ فلم يذكروا ذلك لا في ترجمة أبي جعفر ولا في ترجمة أبي الجيش فهذا دليل قوي على بطلانه وقد ترك الحافظ ههنا في الكلام على الامام الطحاوي ما ذكره في مقدمة اللسان عن ابن عبد البر من صحة عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت همته وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد الا ان يأتي الجارح في جرحه ببينة عادلة يصح بها جرحه على طريق الشهادات والعمل بما فيها من المشاهدة لذلك ما يوجب قبوله انتهى قال الكوثري واما قول الأستاذ أبي منصور عبد القاهر التميمي في نقضه لكتاب أبي عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني في ترجيح مذهبه واستقصى محمد بن جرير الطبري الشروط في كتاب على أصول الشافعي وسرق أبو جعفر الطحاوي من كتابه ما أودعه كتابه وأوهم انه من منتجات أهل الرأي فدليل على صواب ما ادعاه الفخر الرازي من أهل مذهبه فيه من أنه كان شديد التعصب على المخالفين ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه راجع رسالة الرازي في مناظرته لأهل ما وراء النهر فهل كان ابن جرير مصري الدار يساكن الطحاوي حتى يتمكن الطحاوي من سرقة كتاب ابن جرير في الشروط وكتب الطحاوي في الشروط على مذهب أبي حنيفة أفهل كان الكتاب المسروق مؤلفا على مذهب أبي حنيفة فإن كان ابن جرير كتب كتابا في طبرستان مدة وفي بغداد مدة وبعدهما عن مصر معلوم فكيف يتصور ان يسرق أحدهما من الآخر خلسة وليس بين وفاتيهما مدة كبيرة تسع لاخفاء السرقة على أن كتاب الشروط المعزو إلى ابن جرير باسم أمثلة العدول مما لا وجود له بين تراث السلف الا في كتب التراجم واما كتب الشروط للطحاوي من صغير ومتوسط وكبير فمعروفة شرقا وغربا متداولة في أيدي العلماء ثم إن ابن جرير أطال المقام في طبرستان وعندما عاد إلى بغداد كان مقهورا تحت سلطان الحشوية ببغداد يرمون بيته بأحجار ولا يتمكن من المحافظة على نفسه الا بحرس من الحكومة ويضطر في بعض الأحوال ان يدفن بعض كتبه مثل اختلاف الفقهاء فلم يكن حرا طليقا في نشر العلم في عهد سطوة الحشوية وطال ذلك العهد هناك واما الطحاوي في مصر فكان موفور الكرامة يجله الكبير والصغير ويوالي القضاة الاستعانة بغزير علمه في الفقه والحديث والتوثيق وتسجيل الشروط حتى سارت بتصانيفه وأنبائه الركبان في جميع البلدان شرقا وغربا أمثله يكون في حاجة إلى السرقة في علم الشروط وقد تلقى علم الشروط من أمثال القاضي بكار وابن أبي عمران وأبي حازم عبد الحميد أصحاب أئمة علم الشروط بالبصرة والكوفة وبغداد فمهما أبعد بعض العلوم عن الحنفية لا يمكن ابعاد علم الشروط والتوثيق عنهم فإنهم أئمة هذا العلم من عهد أبي يوسف وقبل عهده وما جرى بين إبراهيم بن الجراح وبين حماد بن زيد مسجل في موضعه وقوله يحيى بن أكثم في شروط هلال الرأي وغيره من أهل البصرة معروف ومن أحاط علما بذلك كله لا يتردد لحظة في أن هذا الزعم نسج خيال التعصب وافتعال غير مدبر نسأل الله السلامة وعلى كل حال فان
(المقدمة ٤٩)