مر الدهور دون ما سواها، مما يشهد بصلاح نيتهم، وحسن طويتهم، وجليل سيرتهم، وجميل سريرتهم.
لا سيما الامام الأعظم، والقرم الهمام الأقدم، سراج الملة، وقمر الأئمة، أبو حنيفة بن ثابت، ثبته الله في أخراه بالقول الثابت.
قد خصه الله بعنايته إلى آخر الدهر ونهايته، حتى شاع علمه واشتهر مذهبه لكثرة المجتهدين في ذاهبي ما يذهبه وأظهر علوم التشرع بين المسلمين ونشر احكام الفروع بين المؤمنين.
فإنه أول من فرع في الفقه وألف، وقد كتب الفروع وصنف، باتفاق أصحابه الملازمين إلى درسه، من مشاهير العلماء المجتهدين، واجتماع أحزابه المختلفين إلى مجلسه من جماهير الفضلاء المتقدمين كالامام أبى يوسف، والإمام محمد ، وزفر بن هذيل، وحسن بن زياد، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وحفص بن غياث، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأسد بن عمر القاضي، ونوح بن أبي مريم وأبي مطيع البلخي ويوسف بن خالد السميني الذين أكثرهم من رواة البخاري وغيره، كابن المبارك ووكيع في آخرين، رحمة الله عليهم أجمعين.
فمذهبه خير المذاهب ومشربه خير المشارب، ولنعم ما قيل:
مذهب النعمان خير المذاهب * كالقمر الوضاح بين الكواكب لفقه في خير القرون مع التقى * فمذهبه لا شك خير المذاهب ويكفيك في فضل مذهبه وحسن مشربه ما أنشده تلميذه الشريف وصاحبه الغطريف البارع في الاخبار والآثار القاضي بقضايا سيد الأبرار، الإمام أبو يوسف حماه الله في آجله كما حماه في عاجله عما يوسف:
حسبي من الخيرات ما أعددته * يوم القيامة في رضى الرحمن دين النبي محمد خير الورى * ثم اعتقادي مذهب النعمان ثم أقر بفضله الخصوم، وسلموا له في كل العلوم، حتى قال الامام مالك حين سئل عنه (عن أبي حنيفة رحمه الله) رايته رجلا لو كلمك في هذه السارية ان يجعلها ذهبا لقام بحجته.
وقال أيضا: ان أبا حنيفة لأهل الفقه خير مؤنس.
وقال الإمام الشافعي: " الناس كلهم عيال على أبي حنيفة في الفقه " وأنشد في حقه:
لقد زان البلاد ومن عليها * امام المسلمين أبو حنيفة بأحكام وآيات وفقه * كآيات الزبور على الصحيفة فما بالمشرقين له نظير * ولا بالمغربين ولا بكوفة إماما كان للاسلام بحرا * أمينا للنبي وللخليقه وكان الإمام أحمد بن حنبل كثيرا ما يذكر فضله، ويترحم عليه، ويبكي في زمن محنته، وأنشد في فضل شمائله شعرا:
واني لا أحصي ثناء خصاله * ولو أن أعضائي جميعا تكلم